الثبات ـ دولي
انطلق، اليوم الاثنين، في فرنسا الأسبوع الأخير من الحملة الانتخابية، قُبيل الجولة الأولى من الانتخابات التشريعيّة التي تُوصف بأنّها الأهمّ منذ العام 1945، ويُعَدّ فيها أقصى اليمين الأوفر حظاً في مواجهة جبهة يساريّة هشّة.
وقبل أسبوعٍ من موعد الدورة الأولى من الانتخابات التشريعيّة الفرنسيّة، لا يزال معسكر ماكرون يسعى إلى تقليص تأخّره عن ائتلاف اليسار وأقصى اليمين الأوفر حظاً.
وأظهر استطلاعان للرأي أُجريا مؤخراً أنّ حزب "التجمّع الوطني" في أقصى اليمين وحلفاءه سيحصدون ما بين 35,5 و36% من الأصوات، متقدمين على "الجبهة الشعبيّة الجديدة"من تحالف أحزاب اليسار الذين سيحصدون (27 إلى 29,5%)، وعلى معسكر ماكرون الذي من المتوقع أن يحصد (19,5 إلى 20%).
"مغازلة" جميع الفرنسيين
ومن المقرّر أن يكشف حزب "التجمّع الوطني" (أقصى اليمين) بزعامة مارين لوبان، اليوم الاثنين "أولويّات حكومة الوحدة الوطنيّة" التي يعتزم تشكيلها.
ويسعى رئيس "التجمّع الوطني"، جوردان بارديلا إلى استخدام ورقة التهدئة، طارحاً نفسه في موقع الشخصيّة القادرة على جمع الفرنسيّين، وذلك في مقابلةٍ أجرتها معه صحيفة "لو جورنال دو ديمانش" الفرنسية.
وقال بارديلا: "أُريد مصالحة الفرنسيّين وأن أكون رئيس الوزراء لجميع الفرنسيّين بلا أيّ تمييز"، مكرراً أنّه لن يقبل بتولّي المنصب إن لم يحصل على الغالبيّة المُطلقة في الانتخابات التشريعيّة.
وأمس الأحد، شدّد رئيس بلدية بيربينيان (جنوب غرب فرنسا)، لوي آليو، أحد شخصيّات "التجمّع الوطني"، على أهمّية هذه النقطة، معتبراً أنّه إن لم يحصل ذلك "ستكون هناك تدابير غير قابلة للتطبيق على نحوٍ فوريّ".
ومساء السبت الماضي، أكّد زعيم حزب "حركة فرنسا غير الخاضعة"، جان لوك ميلانشون "عزمه على حكم هذا البلد"، وهو ما يعتبره الاشتراكيّون خطاً أحمر.
وقال الرئيس الاشتراكي السابق، فرنسوا هولاند "إذا كانت لديّ رسالة أوجّهها، فهي أنّ جان لوك ميلانشون (...)، إذا ما أراد أن يخدم الجبهة الشعبيّة الجديدة، عليه أن يقف جانباً، وأن يصمت".
خشية من فوز أقصى اليمين
بدوره، شدّد الأمين العام للحزب الشيوعي، فابيان روسيل على أنّ ترشيح ميلانشون لرئاسة الحكومة "لم يتمّ الاتّفاق بشأنه أبداً" في الجبهة الشعبيّة الجديدة.
من جانبه، يَعِد معسكر ماكرون الذي يُتّهم بأنّه منفصل عن هموم الفرنسيّين، بحُكم يكون أكثر قرباً من الشعب. وبدا أنّ ماكرون يستبعد الاستقالة، فقد تعهّد "العمل حتى أيّار/مايو 2027"، موعد نهاية ولايته، مُقرّاً بـ"وجوب إحداث تغيير عميق في طريقة الحكم".
وقال ماكرون في رسالةٍ إلى الفرنسيّين نشرتها الصحافة إنّ "الحكومة المقبلة التي ستعكس بالضرورة تصويتكم، آمل في أنّها ستجمع الجمهوريّين من تيّارات مختلفة بعد أن يكونوا قد عرفوا كيف يواجهون المتطرّفين؟".
من جهته، قال رئيس الحكومة، غابريال أتال خلال مقابلة مع وسائل إعلام فرنسيّة، "أيّا تكُن النتائج (...) سيكون هناك ما قبل وما بعد".
وأشار رئيس الحكومة الذي عُيّن في منصبه في كانون الثاني/يناير 2024 إلى أنّ كتلته هي "الأكثر ديناميكيّة في هذه الحملة" الانتخابيّة، بعدما حصلت على 14,6% فقط من الأصوات في الانتخابات الأوروبية. وشدّد على أنّ الانتخابات "خيار المجتمع"، قائلاً إنه ينتظر "شرعيّة إضافيّة" للبقاء في منصبه.
وتُثير نتائج الانتخابات، بين تشكيل أوّل حكومة من أقصى اليمين، وجمعيّة وطنيّة تُهيمن عليها لمدّة عام على الأقلّ ثلاثة أقطاب مُتباينة، مخاوف في فرنسا وخارجها، على خلفيّة وضع اقتصادي قاتم وأزمة في أوكرانيا، وقبل شهر من انطلاق دورة الألعاب الأولمبيّة في باريس لعام 2024.
ونزل عشرات آلاف المتظاهرين إلى الشوارع في فرنسا، أمس الأحد، للتنديد بـ"خطر" يتهدّد حقوق النساء في حال فوز "التجمّع الوطني" في الانتخابات.
ونشرت صحيفة "لوموند" الفرنسيّة، أمس الأحد، عريضةً وقّعها 170 دبلوماسياً سابقاً تحذّر من فوز مُحتمل لأقصى اليمين في الانتخابات التشريعيّة المقبلة، وهو ما من شأنه، في رأيهم، أن "يُضعف فرنسا وأوروبا بينما الحرب دائرة".
من جهته، عبّر المستشار الألماني، أولاف شولتس، أمس الأحد، عن "قلقه" من احتمال فوز أقصى اليمين في الانتخابات التشريعيّة الفرنسيّة، قائلاً "آمل في أن تنجح الأحزاب غير المحسوبة على مارين لوبن في الانتخابات".
ماكرون: يجب إحداث تغيير عميق
وفي وقت يلمّح عدد من خصومه، وفي مقدّمهم مارين لوبن، إلى أنّه سيضطرّ إلى الاستقالة في حال خسارة معسكره في الانتخابات يومي 30 حزيران/يونيو والسابع من تموز/يوليو، ردّ ماكرون بالقول "يمكنكم أن تثقوا بي لأعمل حتى أيّار/مايو 2027 بوصفي رئيسكم، حامي جمهوريّتنا وقيمنا في كلّ لحظة، مع احترام التعدّدية وخياراتكم، وفي خدمتكم وخدمة الأمّة".
وإذ تناول أسباب القرار الذي دفعه إثر الانتخابات الأوروبّية إلى حلّ الجمعيّة الوطنيّة، أقرّ ماكرون بأنّ قراره أثار أحياناً "غضباً تجاهه". وتطرّق تفصيلاً إلى رهانات الانتخابات المقبلة، معتبراً أنها ليست "انتخابات رئاسيّة ولا تصويتاً على الثقة برئيس الجمهوريّة"، بل هي جواب "على سؤال واحد: من سيحكم فرنسا؟".
وأضاف ماكرون "على الحكومة المقبلة أن تعيد صياغة سياسة الطفولة، وتؤمن حماية أفضل لشبابنا وتتصدّى بقوّة أكبر لكلّ أشكال التمييز".
كما أقرّ ماكرون بـ"وجوب إحداث تغيير عميق في طريقة الحكم"، موجهاً نداءً إلى من يعتزمون الامتناع عن الاقتراع، طالباً منهم عدم "الخوف"، قائلاً "لا تستسلموا، أدلوا بأصواتكم".
بدوره، كشف موقع "بلومبرغ" الأميركي، في وقتٍ سابق، انخفاض مُعدّل تأييد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى أدنى مستوىً له منذ كانون الأول/ديسمبر 2018، وذلك وفقاً لاستطلاع للرأي أُجري بعد أن دعا ماكرون إلى انتخابات مبكرة رداً على الهزيمة في انتخابات البرلمان الأوروبي.
كيف تجري الانتخابات؟
يُشار إلى أنّ الانتخابات التشريعيّة الفرنسية تجري على جولتين في 30 حزيران/يونيو، و7 تموز/يوليو، في خطوةٍ قد تُفضي إلى وصول أقصى اليمين إلى مقاليد السلطة السياسية في البلاد.
وتتألف الجمعية الوطنية (البرلمان) من 577 مقعداً، بما في ذلك 13 مقاطعة خارجية و11 دائرة انتخابية تُمثّل المغتربين الفرنسيين في الخارج، وللحصول على الأغلبية المطلقة في البرلمان يحتاج الحزب إلى 289 صوتاً.
ولم يشغل ائتلاف ماكرون سوى 250 مقعداً في البرلمان المنتهية ولايته وكان عليه حشد الدعم من الأحزاب الأخرى في كلّ مرّة للتصديق على قانون.
وتستبعد الجولة الأولى في الانتخابات جميع المرشحين الذين فشلوا في الحصول على 12.5% من الأصوات، كما أن أيّ شخصٍ يحصل على 50% من الأصوات بنسبة مشاركة لا تقل عن ربع الناخبين المحليين يفوز تلقائياً، ويحدث ذلك في عدد قليل من الدوائر الانتخابية.
أما الجولة الثانية فهي عبارة عن سلسلة من جولات الإعادة يخوضها اثنان أو ثلاثة أو أربعة مرشحين في بعض الأحيان، وقد ينسحب بعض المرشحين قبل 7 تموز/يوليو لإعطاء حليف فرصة أفضل تهدف إلى منع منافس من الفوز.
وقام ماكرون بأكبر مجازفة منذ وصوله إلى السلطة في العام 2017 بإعلانه حل الجمعية الوطنية الفرنسية والدعوة إلى انتخابات تشريعية مُبكّرة، وذلك بعد فوز أقصى اليمين في الجمعية الوطنية في الانتخابات التشريعية الأخيرة في حزيران/يونيو 2022.