مستوطنات شمال "إسرائيل".. وعصف الرياح الشمالية _ أمين أبوراشد

الثلاثاء 18 حزيران , 2024 12:19 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يوم الأربعاء الماضي كان مفترق الطرق الحقيقي في المواجهة بين حزب الله والعدو "الإسرائيلي"، حيث أمطر الحزب الكيان المحتل بما يقارب 250 صاروخاً على خمس دفعات، بالإضافة إلى عشرات المسيرات الانقضاضية، على خلفية اغتيال العدو القائدَ العسكري في الحزب؛ الشهيد طالب سامي عبدالله، ومع وصول صواريخ المقاومة الى بحيرة طبريا، واندلاع الحرائق في المستوطنات الشمالية، ردَّت "إسرائيل" على هذه الحرائق عبر استخدام "المنجنيق".

هي "إسرائيل" التي هددت لبنان بإعادته الى العصر الحجري، أعادها لبنان، وحتى قبل اندلاع الحرب المرتقبة، الى عصر المنجنيق؛ في مشهدٍ هزليّ للجنود الصهاينة خلف الجدار على الحدود مع لبنان، يتلقُّون الأوامر من آمر "مربض المنجنيق" لرمي الكُتل النارية إلى الجانب اللبناني.

لسنا هنا بصدد المقارنة التقنية واللوجستية بين إمكانيات المقاومة وقدرات العدو، لأن العبرة في النتائج، وهذا العدو لو كان يمتلك وسائل الردع - رغم وفرتها براً وبحراً وجواً - لكان استخدمها ولكن، كما في غزة كذلك في لبنان، همجية التدمير والتهجير والقتل، لا تلجم مقاومة، لا بل تشعلها غضباً وعزماً وإرادة، سواء جاء العدوان من الطائرات والبوارج أو من الدبابات وأسلحة المدفعية، أو جاء من لعبة "المنجنيق" لافتعال الحرائق.

منذ شهر يناير الماضي، والعدو "الإسرائيلي" يُعلن عبر القيادات السياسية والعسكرية وعبر المناورات، كامل الجهوزية للعمل على جبهة الشمال مع لبنان، وما بقيت دولة غربية وفي الطليعة أميركا وبريطانيا وفرنسا، إلا وأبدت حرصها على عدم توسُّع معارك غزة وبلوغها جبهة لبنان، لأن هذا يعني حرباً شاملة، لكن ما اصطدم به الغرب ومعه بعض الداخل اللبناني، هو التفسير الصحيح للقرار 1701، وتجاهلهم الخروقات "الإسرائيلية" لهذا القرار منذ العام 2006، براً وبحراً وجواً، وأن الحديث عن تواجد المقاومة في جنوب الليطاني، لا يرتبط بالعدوان على غزة، بل بالأراضي اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقرى السبع، وجنوب الليطاني الذي كانت تحلم به "إسرائيل" وما زالت، حزاماً أمنياً لها، فارغاً من تواجد المقاومة، هذه المقاومة قد خلقت لها بديلاً عنه وهو الجليل الفارغ من مستوطنيه، وإعادة المستوطنين إليه مستحيلة، لا بل جاء تصريح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ليقطع الشك باليقين: ابحثوا لهم عن ملاجئ وخنادق.

وفي غياب أي حل أو مقترح سياسي للبحث مع لبنان بموضوع الحدود البرية، عبر المبعوث الأميركي آموس هوكستين أو سواه كوزير خارجية فرنسا ستيفان سيغورنيه، فإن ما تمّ إنزاله من نيران لبنانية على الكيان الصهيوني الأربعاء الماضي، مجرد نماذج عن الردود الحاسمة من حزب الله والمقاومة عن الآتي الأعظم، ولسنا خبراء عسكريين ولا استراتيجيين لنُمعِن في التحليل الميداني، لكن لا تنقصنا الخبرة في المقارنة بين قدرة الشعب اللبناني، والجنوبي خصوصاً، على الصمود، وبين الرعب الذي يعيشه المستوطنون "الإسرائيليون" في كافة مناحي الكيان المحتل، تحديداً في الشمال والوسط، وإذا كان الشمال قد فرغ من قاطنيه باستثناء مزارع الدجاج، فإن أية حربٍ مع لبنان سوف تفرغ وسط الكيان من ساكنيه، ومن كل البنى الإستراتيجية على مساحة 1200 كيلومتر مربع.

وإذ يعتبر بعض المراقبين أن الوضع المشتعل بين "إسرائيل" وحزب الله في جنوب لبنان هو على عتبة الانحدار، وأن موقف حكومة تصريف الأعمال يتَّسِم  بالضبابية، قيل إن المبعوث الأميركي آموس هوكستين العائد من تل أبيب الى بيروت يحمل رسالة من نتانياهو الى الرئيس نجيب ميقاتي مفادها، "انسحاب حزب الله من جنوب الليطاني أو الحرب"، علماً أن القاصي والداني في لبنان وداخل الكيان الصهيوني يدرك أن "إسرائيل" لن تجرؤ على دخول الحرب مع لبنان، لاعتبارات تجاربها السابقة مع المقاومة من جهة، ولأن جيشها قد أنهكته المواجهات في قطاع غزة من جهة أخرى، والقراءة اللبنانية للقرار 1701 تبدأ من الخروقات الصهيونية له منذ العام 2006، ووجود المقاومة في جنوب الليطاني لا يرتبط بالعدوان على غزة، بل بالحقوق اللبنانية أولاً وأخيراً.  

هذه هي أجواء الداخل اللبناني المقاوم، وآموس هوكستين يُفترض أنه يعرفها من الرئيس نبيه بري، فيما الداخل السياسي الصهيوني في حالة نكبة وتفكك، حيث ألغى نتانياهو مجلس الحرب بعد انسحاب غانتس وآيزنكوت منه، ومسارعة الوزير العنصري بن غفير إلى طلب الانضمام إليه.
ثم إن النظام السياسي في "إسرائيل" بات شبيهاً بالنظام اللبناني، حيث على كل موفد أجنبي يزور تل أبيب، أن يجري جولة على "القيادات": نتانياهو وغانتس وغالنت ولابيد، سواء كان هذا الموفد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أو المبعوث الخاص للرئيس بايدن آموس هوكستين.

أما على المستوى العسكري الصهيوني، فإن تصريحات من هُم في الحكم لا تعكس الحقائق عن وضع معنويات الجيش، ولغاية الآن لم تصدُق سوى توقعات المسؤولين السابقين والضباط المتقاعدين، وأبرزهم اللواء احتياط إسحق بريك.  

يقول بريك إن "إسرائيل" لا تملك القدرة على كسب الحرب ضد حماس أو ضد حزب الله اللبناني، محذراً من أن استمرار الحرب قد يؤدي إلى انهيارها.
وفي تصريحات تناقلتها وسائل الإعلام "الإسرائيلية"، أضاف بريك أن الجيش "الإسرائيلي" صغير ومهترئ، وليس لديه فائض في القوات، وكل يوم تتواصل فيه الحرب يزداد الوضع سوءاً، وأن قادة الحرب في "إسرائيل" على المستويين السياسي والعسكري لا يريدون الاعتراف بالحقائق الصعبة التي يتحملون مسؤوليتها، بل يقودون "إسرائيل" إلى الهاوية، و"إسرائيل" خسرت الحرب منذ اللحظة الأولى للهزيمة المهينة في  7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قائلاً إنه كان يتعين عليها العمل على تعويض هذه الخسارة وفق سلم أولويات واضح بدلاً من الحديث عن انتصارٍ مطلق.

وتابع بريك: عدم إنهاء "إسرائيل" الحرب سيحولها إلى حرب استنزاف تستمر لسنوات، وستؤدي في النهاية إلى انهيارها مع وجود احتمال الحرب الإقليمية، مشيرا إلى أنها ستتعرض مع مرور الوقت إلى مزيد من العزلة العالمية.

الحرب الإقليمية التي يتحدث عنها بريك واقعة لا محالة، ما لم يتوقف العدوان على غزة، خاصة بعد توالي النكسات وآخرها على جبهة رفح، وإقدام الجيش الصهيوني على إحراق مبنى المغادرة في معبر رفح، واستنفار الجيش المصري على المقلب الآخر من محور فيلادلفيا، ثم مع استنفار غير مسبوق لجبهتي الإسناد اليمنية والعراقية وإعلان التنسيق العسكري بينهما دعماً لغزة، فيما تلوح في الأفق كارثة انعكاسات العدوان إقليمياً ودولياً، حيث أظهرت آخر الأرقام ان 29 شركة نقل بحري غيَّرت مسارها عن البحر الأحمر، و 65 دولة تأثرت سلباً بالحركة التجارية، وأن فارق كلفة الوقود عن تغيير خط كل باخرة نحو رأس الرجاء الصالح تبلغ مليون دولار أميركي، نتيجة إبحارها 11 ألف ميل إضافية، وأن النقل البحري في المنطقة قد انخفض 90% من ديسمبر 2023 حتى فبراير 2024، وخسرت قناة السويس 50% من إيراداتها.

هذه هي المحصلة بعد عدوان استمر ثمانية أشهر على قطاع غزة، ولم تحقق "إسرائيل" أياً من أهدافها المُعلنة، سوى تحرير أربعة رهائن وقتل ثلاثة آخرين يضاف إليهم قائد العملية، ونتيجة هذه المحصلة، أن 120 رهينة ما زالوا لدى المقاومة الفلسطينية، لن يعيشوا حياة "خمس نجوم" بعد عملية النصيرات، وما زال البحث جارياً في "إسرائيل" ليس عن الرهائن وقيادات حماس، بل عن بقايا هيبة "إسرائيلية" انتهت إلى الأبد في 7 أكتوبر والآتي الأسوأ على هذا الكيان قادمٌ قادم.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل