أقلام الثبات
لم تشكّل استقالة أعضاء "حزب الدولة الإسرائيلي" من حكومة نتنياهو مفاجأة كبيرة "للإسرائيليين" بعد أن كان عضو مجلس الحرب بني غانتس قد أعطى مهلة لنتنياهو في وقت سابق تمتد لغاية الثامن من حزيران/ يونيو وإلا الاستقالة من الحكومة.
وكان حزب غانتس من المعارضين لنتنياهو، ولم يكن جزءًا من الائتلاف الحكومي الأساسي الذي تشكّل بالأساس من الليكود وأحزاب اليمين المتطرف، لكن انضمام المعارضة "الاسرائيلية" الى مجلس الحرب أتى بعد هجوم حماس، وذلك في 11 تشرين الأول/ اكتوبر حين أنشأ نتنياهو ما سمي حينها "حكومة الطوارئ".
وهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها تشكيل حكومة طوارئ في "اسرائيل"، إذ إنها فكرة تعود الى حرب عام 1967، حين انضم مناحيم بيغن (رئيس حزب "حيروت" المعروف لاحقاً باسم حزب الليكود) الى الحكومة التي يرأسها حزب العمل برئاسة ليفي إشكول وذلك لإدارة الحرب واتخاذ القرارات السياسية والعسكرية اللازمة. وبعدها بات الأمر عرفاً متبعاً في "اسرائيل"، اي أن يتم تشكيل "مجلس حرب مصغر" خلال الحروب من الموالاة والمعارضة، يستطيع أعضاؤه اتخاذ القرارات دون الرجوع الى الحكومة ولتلافي البيروقراطية او النقاشات مع مجموعات كبيرة، وذلك بسبب الحاجة الى السرعة أو الى تقليص الدائرة السياسية التي تتخذ القرارات لأهميتها وسريتها.
أما كابينت الحرب الحالي، والذي يعدّ هيئة أمنية بصيغة سياسية مهمتها اتخاذ القرارات السياسية اللازمة للسيطرة على مسار الحرب وإدارتها، فهو مؤلف من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، وعضو المجلس بيني غانتس، وغادي أيزنكوت بصفة مراقب.
وبما أن حزب غانتس ليس جزءًا من الائتلاف الحكومي، فمن غير المتوقع أن يكون انسحابه من الحكومة له تأثير كبير على مصيرها، لأن نتنياهو وحلفاءه من اليمين ما زالوا يتمتعون بأغلبية وازنة في الكنيست قوامها 64 مقعداً، ولا يبدو ممكناً حلّ الحكومة والذهاب الى انتخابات مبكرة، إلا في حال انسحب اليمين المتطرف منها، إما بسبب عدم رضاهم على أداء نتنياهو السياسي في ما خص التفاوض مع حركة حماس أو الذهاب الى وقف اطلاق نار، أو السير بصفقة بايدن التي يبدو أن نتنياهو هو مَن قدمها ثم تراجع عنها بسبب خوفه من اليمين المتشدد في حكومته، أو لأسباب متعلقة بتجنيد الحريديم في الجيش.
في المحصلة، وكما يبدو من مسار الأمور في الداخل "الاسرائيلي"، أن الانقسام السياسي والذي يزداد عمقاً كلما طال أمد الحرب مرشح للتفاقم، خصوصاً ان نتنياهو بات يعتمد كلياً على أصوات اليمين المتطرف لبقائه في السلطة، ما يعني أنه سيتشدد أكثر في قبول أي صفقة، وسيكون قطاع غزة أمام محاولات التوصل الى انجاز عسكري بأي ثمن، أي مزيد من المجازر بحق الفلسطينيين وإطالة أمد الحرب الى أن يستنزف "الجيش الاسرائيلي" في غزة كلياً.