الرئاسة والحوار... قصة إبريق الزيت ــ عدنان الساحلي

الجمعة 07 حزيران , 2024 03:13 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
تتناسل ازمات لبنان فتولد من كل مشكلة مشكلات، تتفاعل وتتعقد، لتضيف في بلد النكد والنكايات سبباً آخر في صراع النفوذ الخارجي، الذي يتلبس لباس الطوائف والمذاهب والسياسات، التي تتواجه مثل خطي سكة الحديد المتوازيان، اللذان لا يلتقيان إلا بإرادة الخارج الذي صنعه وبإشارة منه.
كان اللبنانيون يشهدون أزمة التصارع على كرسي قصر بعبدا، التي أدت إلى فراغ رئاسي يمتد منذ حوالى سنة ونصف السنة، فولدت هذه الأزمة مشكلة جديدة أضيفت إلى عناصر الخلافات الحادة التي تعصف بالبلد، هي مشكلة الحوار الوطني، الذي يستهجن أي غريب عن التركيبة اللبنانية، وجود أطراف وجهات محلية، ترفض فكرة الحوار الداخلي من الأساس، في بلد متنوع ومتعدد، قائم دستورياً وعرفياً على التوافق ورفض الغلبة وأستبعاد منطق الإلغاء.
شكلاً يدور الخلاف في تلونه الحربائي، على الحوار، لكنه في المضمون واجهة لخلاف اعمق وأكثر تجذراً، هو الصراع على اصطفاف البلد في إعادة تركيب المنطقة، ولو عدنا إلى تصريحات قوى الكباش السياسي القائم، لوجدنا أن أحدها، أي "حزب القوات" ومن معه، الذين يرفضون الحوار، لطالما كانوا صريحين في سعيهم لإيصال رئيس إلى قصر بعبدا يكون معادياً للمقاومة ورمزها حزب الله؛ ورأس حربة للقوى الخارجية في حربها على كل مقاومة تواجه الغزوة الصهيونية للمنطقة وتقاتلها.
مقابل ذلك، تبنى الحزب وحلفاؤه ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، الذي لا ينكر أحد أنه جزء من الطبقة السياسية الحاكمة، له ما لها وعليه ما عليها، لكن المميز ان الرجل لا يخفي أنه صديق للمقاومة وسورية، ووصول فرنجية إلى قصر بعبدا، هو نتيجة طبيعية لانتصار المقاومة في مواجهاتها مع العدو "الإسرائيلي"، من جهة؛ ونتيجة طبيعية كذلك، لفشل الحرب العالمية التي شنت على سورية وحلفائها منذ أكثر من عقد من السنوات.
لكن، وكما كشفت عملية "طوفان الأقصى" البطولية ضد الكيان الصهيوني، هناك في المنطقة والخارج من يضع أمن العدو "الإسرائيلي" فوق كل اعتبار، والإدارة الأميركية ومن يتبعها واضحة في هذا الأمر، بإعلان جون بايدن أنه صهيوني؛ وانه حاضر للقتال دفاعاً عن الكيان العدواني وغير الشرعي، الذي يحتل فلسطين ويمعن بشعبها قتلا وتهجيراً، لكن الأميركي المشغول بكيفية إخراج "إسرائيل" من بحر الدم الفلسطيني، الذي تسفكه يومياً، لا يضع الرئاسة اللبنانية في اولوياته هذه الأيام. إذاً من الذي يعطل ومن هي الجهة التي تقف خلف التعنت القواتي في رفض الحوار الوطني؟
هناك حقيقتان لا يجهلهما أي متابع لأحداث لبنان والمنطقة. الأولى، أن عملية "طوفان الأقصى" عطلت ولو مؤقتاً، عملية "تطبيع"، أو بالأحرى إشهار للعلن، للعلاقات بين الكيان "الإسرائيلي" والمملكة السعودية، هذه العلاقات التي يبدو أنها أعمق مما يظهر للعيان، منذ أن اعطى مؤسس المملكة عبد العزيز سعود، وعده الخطي للإنكليز بالموافقة "على إعطاء فلسطين لليهود المساكين"، مثلما جاء في ذلك التعهد، كما لا تخفي المملكة أنها تعمل للحصول على معاهدة دفاعية مع الولايات المتحدة الأميركية، تكون حصنها، في وجه ردود الفعل المتوقعة على إشهارها لعلاقاتها مع الكيان الصهيوني.
والحقيقة الثانية، أن "حزب القوات" ورئيسه سمير جعجع، هما رأس حلفاء المملكة في لبنان، منذ أن اجبر حاكم المملكة الفعلي، ولي العهد محمد بن سلمان، رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري على اعتزال السياسة، ولا يتحرج الإعلام اللبناني ومعه كثير من السياسيين، من الإشارة إلى الادوار الأميركية والفرنسية والقطرية والسعودية، بالتدخل العلني والمكشوف في الشأن الرئاسي، وفي الشروط التي تضعها تلك الدول، كمعبر إجباري لكل من يريد الوصول إلى كرسي قصر بعبدا، وهناك إشارات سياسية من شخصيات بارزة أن المملكة تقف خلف رفض سمير جعجع للحوار، حيث تحول الجدال حول هذا الأمر إلى "قصة إبريق الزيت"، بالدوران في حلقة مفرغة والعودة في كل دورة إلى نقطة الصفر. وفي حين يرى دعاة الحوار، أنه ممر طبيعي للتفاهم وتشكيل أكثرية نيابية تحضر جلسة الانتخاب، يرفض جعجع ومن معه فكرة الحوار قبل الجلسة، كما يرفض ترؤس رئيس المجلس النيابي لهذا الحوار، مشترطاً وجود رئيس جمهورية لإدارة الحوار، وقد بتنا امام "دويخة" تقول: أن لا رئاسة من دون حوار؛ ولا حوار من دون رئيس، فكيف نحصل على رئيس جمهورية غير موجود، يدير حواراً للتفاهم على انتخاب رئيس يترأس الحوار لاختيار هذا الرئيس؟
ويبدو أن مشاريع الفدرلة والتقسيم لم تغادر أذهان البعض ومواقفه، وكذلك يبدو أن ما فعله الأميركيون لتغطية خيانة انور السادات بدخان الحرب في لبنان، لتحجب زيارته إلى كنيست العدو في القدس المحتلة، تراود عقول البعض فكرة إحراق لبنان مجدداً، للتغطية على خيانة جديدة لفلسطين وشعبها وقضيتها، لكن وجود المقاومة وقدرتها تعطل مثل هذه المشاريع، وهذا هو من أبرز حملات الشيطنة والافتراءات التي تتعرض لها.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل