الاجتياح الذي أسّس لهزيمة "إسرائيل" ـــ د. نسيب حطيط

الجمعة 07 حزيران , 2024 10:57 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يمكن وصف الاجتياح "الاسرائيلي" للبنان عام ١٩٨٢  بانه الاجتياح الخطأ الذي حقق نصراً "إسرائيليا" ظرفيا، لكنه أسس لبدء مرحلة الهزيمة لمشروع الكيان الصهيوني ووجوده، ويمكن اعتباره نقطة الذروة في الخط البياني للتفوق العسكري "الاسرائيلي"، والتي بدأ بعدها الانحدار  والتراجع وتساقط الهيبة وضعف الردع على المستوى العسكري، ويمكن اعتباره خط المنتصف الفاصل بين مرحلتين  من عمر الكيان:
-المرحلة الذهبية: اي مرحلة احتلال فلسطين والتوسع الجغرافي داخل الدول العربية والانتصار في الحروب مرحلة(١٩٤٨ _١٩٨٢ ).
-مرحلة الهزائم العسكرية والتصحر الجغرافي: مرحلة  الانسحاب الاكراهي من لبنان عام ٢٠٠٠ والانسحاب الاكراهي من غزة  والانهزام في حرب تموز ٢٠٠٦ في لبنان والعجز الخطير  والفشل والتخبط منذ معركة طوفان الأقصى على الجهتين اللبنانية والفلسطينية، بالإضافة إلى جبهتي اليمن والعراق (١٩٨٢...حتى الآن)، دون اهمال لما حققه العدو على الجبهة السياسية؛ من تطبيع واتفاقيات سلام واختراق اقتصادي في بعض الدول العربية والإسلامية.
اجتياح عام ١٩٨٢ اخرج منظمة التحرير  الفلسطينية من دائرة المقاومة المسلحة، وألزمها بالاعتراف بدولة "اسرائيل" وتقسيم فلسطين مقابل ثمن بخس ورخيص  يتمثل بتاسيس (سلطة فلسطينية) مسلوبة القرار والسيادة  تلعب دور الشرطي البلدي لصالح الأمن "الاسرائيلي" وتمثل (الافيون الفكري) للفلسطينيين لاسكاتهم وترويضهم والقبول "بالمكرمات الإسرائيلية"؛ من إجازات العمل واموال الضرائب وعدم الاعتقال..
الاجتياح الاسرائيلي عام ١٩٨٢ يشبه قتل فرعون للاطفال حتى لا تتحقق نبوءة ولادة طفل سيهزم فرعون ويقتله،  لكن الله تعالى انجا النبي موسى (عليه السلام)، بل وطارد فرعون حتى أغرقه الله تعالى في البحر..
أنهى الاجتياح المقاومة الفلسطينية المسلحة وأغلق مرحلة مقاومة المكاتب والمقاولات وعدم الجدية والتدخل العبثي بقضايا داخلية عربية، لكنه كان السبب (دون قصد) بولادة مقاومة لبنانية (على اختلاف تنظيماتها) من رحم الآلام والقتل والسجن.. اشترك فيها كل الشرفاء، واسست لأول مقاومة شعبية عربية واسلامية مسلحة وملتزمة عقائديا بشعار تحرير القدس وإزالة الكيان وعدم الاعتراف بدولة "اسرائيل" حتى لو اعترف فيها الفلسطينيون (كما هو حاصل الآن) ولاتعترف بتقسيم فلسطين واستطاعت تحرير أرضها دون اتفاقيات سلام وبلا شروط، بل وساهمت بإعادة تأسيس المقاومة المسلحة داخل فلسطين بدعم غزة والضفة بالسلاح والتدريب والخبرات، واخرها الشراكة في الميدان  العسكري، منذ اليوم الثاني لطوفان الأقصى.
افترضت "اسرائيل" انها انهت مرحلة الحروب مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وانها اخصعتهم بالقوة واتفاقيات السلام والتطبيع، وتوجت نفسها ملكة على العرب الذين رضوا بذلك وبايعوها فرحين، وساعدوها في القضاء على المقاومين الشرفاء من الدول وحركات المقاومة.
لكن حسابات حقولهم وجماعاتهم التكفيرية لم يحصدوها على بيادرهم المحروقة، وبعدما قضوا على تهديد منظومة الجيوش الرسمية بتحييدها بالتطبيع وبدأوا بالمرحلة الاخيرة من مشروع الشرق الأوسط الكبيرة والسيطرة على المنطقة  عبر اعلان (الديانة الابراهيمية) وإلغاء الإسلام والمسيحية بما يشبه قتل فرعون للاطفال.
ولدت المقاومة من المؤمنين الشرفاء الذين استكملوا مسيرة المقاومة التي بدأها من سبقهم، ولم يتركوا البندقية، بل طوروا مفاهيمها وتقنياتها حتى صار مستوطنو الجليل المحتل مهجرين كما اهل القرى الحدودية، وصار العدو مقيداً، ولم يعد قرار الحرب والاجتياحات بيده.
في الذكرى الثانية والاربعون لاجتياح ٨٢ لم تعد الطرق مفتوحة امام الدبابات "الإسرائيلية"، وصارت "اسرائيل" كياناً مرعوباً خائفاً لا أمل له بالاستقرار والوجود.. مهما طال زمن الاحتلال فهو الى زوال..
اجتياح ١٩٨٢ اجتياح الانتحار "الاسرائيلي"..
تحية للمقاومين الذين لم ينهزموا ولم يفروا عام ١٩٨٢.. ومازالوا يقاومون.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل