أقلام الثبات
على مدى يومي السبت والاحد، دارت مواجهات عنيفة بين الشرطة ومئات اليهود المتشددين "الحريديم" الذين حاولوا الوصول إلى منطقة جبل الجرمق (جبل ميرون) بمنطقة الجليل الأعلى شمالي فلسطين المحتلة، للاحتفال بعيد ديني، وذلك بسبب اغلاق منطقة الجبل، ومنعهم من الوصول إليها لتأدية شعائر دينية، وذلك على خلفية قيام حزب الله باستهداف المنطقة التي تحتوي على مركز ديني وقبور حاخامات يعتبرها اليهود مراكز لها قيمة دينية تاريخية.
واقعياً، يزداد التطرف في "اسرائيل"، ويجنح المجتمع نحو سيطرة المتطرفين والمتدينين الذين يزدادون عنفاً وتطرفاً على خلفية أحداث السابع من أكتوبر، والحرب الوحشية الطاحنة التي تُشن على قطاع غزة، والحرب المتعددة الجبهات التي تواجهها "إسرائيل".
هذه ليست المرة الاولى التي يبرز فيها الخلاف بين اليهود الحريديم وبقية المجتمع اليهودي في "إسرائيل" وقد تكون خدمة الحريديم في الجيش "الإسرائيلي" الملف الاكثر اشكالية، وهو الذي قد يؤدي الى انفجار حكومة نتنياهو من الداخل في أي وقت، بالرغم من الخلافات على المستوى العسكري والسياسي التي نتجت عن حرب غزة وحرب الاستنزاف التي تشنها المقاومة على "اسرائيل".
ويعيش الحريديم قيماً وطرق حياة مختلفة عن بقية المجتمع وتتزايد أعدادهم بسرعة كبيرة في "اسرائيل" لأنهم يعتمدون على المبادئ الدينية التقليدية التي تحرّم الحد من الإنجاب وتعتبره منافٍ لتعاليم الدين، بالإضافة الى أنهم يعتمدون نمط حياة ديني مختلف عن بقية المجتمع ولا يقومون بالخدمة العسكرية الاجبارية في الجيش كما بقية المجتمع.
وينشط في صفوف الحريديم حزبان أساسيان هما حزب "شاس" وحزب "يهدوت هتوراه"، حيث ويركز حزب شاس نشاطه في صفوف الحريديم الشرقيين وغيرهم من اليهود الشرقيين التقليديين، أما حزب يهدوت هتوراه الذي تشكّل من تحالف حزبي "أغودات يسرائيل" "وديغل هتوراه"، فيركز نشاطه في صفوف اليهود الحريديم الغربيين. وقد زاد عدد النواب الذين يمثلون هذه الفئة في الكنيست في العقود الثلاثة الأخيرة بما يتناسب مع نسبة تكاثرهم المرتفعة، ومع قدرتهم على الوصول الى شرائح مختلفة من السكان بعد جنوح المجتمع نحو اليمين بسرعة ومأسسة هذه التطرف أقله منذ عام 2000.
وتتأتى خطورة التطرف الديني اليميني أنهم ينتمون الى معسكر اليمين الفاشي الذي يرفض أي تسوية مع الفلسطينيين، ويرفض المحكمة العليا، ويتبنى مواقف عنصرية ضد كل آخر مختلف، ولا يخدمون في الجيش علماً أن عددهم يشكّل ما نسبته 16 % من الشباب المؤهل للتجنيد في اسرائيل.
وعليه، قد يشكّل الحريديم مستقبلاً القنبلة الموقوتة التي ستفجّر الداخل الاسرائيلي، حيث ستكون اسرائيل على موعد مع انقسامات كبيرة داخلية حالما تنتهي الحرب أو يتراجع "الخطر الوجودي" الذي يستشعره "الاسرائيليون"، خاصة بعدما يهدأ المدفع ويعود "الاسرائيليون" الى المحاسبة عن نتائج حرب الاستنزاف وتتكشف آثارها على المجتمع والاقتصاد وعلى القتلى من الجنود الذين تم الزج بهم في أتون الحرب بينما شباب الحريديم يحتمون في مقارهم الدينية بحجة تعلّم التوراة.