مقالات مختارة
في أحدث استطلاع رأي لمجموعة من طلاب الجامعات البريطانية، أكد 70% من الطلاب المستطلع رأيهم أن ما قامت به حماس، يوم الـ7 من أكتوبر 2023، يُعَدّ عملا من أعمال المقاومة المسلحة المشروعة للشعوب الواقعة تحت الاحتلال.
تنسجم نتائج هذا الاستطلاع مع النهوض الداعم للقضية الفلسطينية في الشارع الغربي، لكنه يحمل، في طياته، تقدماً ملحوظاً عن الموقف الذي انطلق من جامعة كولومبيا.
انطلق الحراك الطلابي من جامعة كولومبيا بدوافع إنسانية بحتة، ومثّل احتجاجاً على مجازر الإبادة الجماعية التي يرتكبها الجيش الصهيوني ضد المدنيين في قطاع غزّة.
كان القمع البوليسي لمخيم الاحتجاج واعتقال أكثر من 100 طالب وطالبة علامة فارقة، رفعت الوعي بطبيعة الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى "إسرائيل"، والذي يرقى إلى مستوى دعم هذه المجازر، والمشاركة فيها بصورة مباشرة، من خلال تقديم الأسلحة إلى "الجيش الإسرائيلي". لم يقتصر هذا الوعي على الطلاب، بل امتد إلى الهيئة التدريسية.
ولعل ما قاله عالم الاقتصاد اليهودي، والأستاذ في جامعة كولومبيا، والحائز جائزة نوبل، جوزيف ستيغليتز، ومفاده أن ما تقوم به السلطات الأميركية يشكل حرباً على الجامعات والوعي، ويتساءل: ما يحدث يدل على تفاعل الطلاب وتعاطفهم مع ما يحدث في العالم، ومن الذي لا يتفاعل بعد رؤية الصور وهذا العدد من القتلى والجرحى؟".
في الجانب الآخر من الشارع الغربي، نرى صورة مناقضة تماماً، يتصدّرها مشرعون وأعضاء برلمانات غربية يتبنون خطاباً متشدداً، ليس تجاه حماس أو الجهاد الإسلامي، بل تجاه المدنيين الفلسطينيين والطلاب المحتجين. السيناتور الجمهوري طالب بقصف غزة بقنبلة نووية، والسيناتور الديمقراطي تشاك شومر عدّ احتجاجات الطلاب في الولايات المتحدة أفعالاً جرمية لا بد من مواجهتها بعقوبات شديدة.
هل نحن أمام انقسام حقيقي داخل المجتمعات الغربية، ولماذا لا ترضخ الحكومات الغربية، ولو جزئياً، لرغبة الشارع المنتفض ضد المجازر التي تُرتكب في غزّة؟
بعيداً عن البعد الإنساني للحراك الشعبي في الشارع الغربي، فإن هذا الحراك تجذّر، وأصبح موجَّهاً نحو الطريقة التي يمارس بها الغرب سياساته الخارجية. فهذا الغرب "الديمقراطي" في مجتمعاته، ينزع قناع الديمقراطية عندما يتم تهديد مصالحه في الخارج، ويلجأ إلى القوة الغاشمة والإبادة الجماعية من أجل فرض مصالحه على الآخرين.
ما قاله السيناتور ليندسي غراهام أكثر أهمية من أنه مجرد تهديد لغزّة والمقاومة. لقد أوضح الطريقة التي تفكر فيها الرأسمالية عندما تخوض حروبها: "لقد قصفنا هيروشيما وناغازاكي بالقنبلة النووية لإنهاء حرب لا يمكننا خسارتها"، هذا ما قاله حرفياً. الحرب كانت انتهت فعلاً، واليابان استسلمت، فما الحرب التي خشيت الولايات المتحدة خسارتها؟ إنها حرب الهيمنة على العالم، وفرض سطوة النظام الرأسمالي بالقوة الغاشمة المجرمة.
في غزّة، دخلت "إسرائيل" الحرب مدعومة بحلف الناتو، واعتقدت أنها ستكسب هذه الحرب بسرعة وسهولة، خلال عدة أسابيع في الحد الأقصى. لكن الحرب ذهبت إلى مكان آخر. لقد صمدت المقاومة مدعومةً بالجبهات المساندة مدة ثمانية أشهر.
كرّس هذا الصمود صورة الهزيمة الإسرائيلية يوم الـ7 من أكتوبر، وهو باستمراره يلوح بتكريس هزيمة أكبر للقوة العسكرية الغربية، التي تحاول أن تصول وتجول في العالم، مدّعيةً أنها غير قابلة للهزيمة. إعلان وقف إطلاق النار يعني هزيمة القوة الغربية أمام حركات شعبية غير منظمة، وهذه نتيجة لا يمكن قبولها.
هذه الهزيمة ليست مقتصرة على الجانب العسكري فقط، فالحراك، طلابياً وشعبياً، في الشارع الغربي، يشير إلى بروز وعي جديد داخل هذا الشارع، وهذا الوعي ليس أنانيا ذا طبيعة عنصرية بيضاء، كما هي العادة، لكنه وعي بمعاناة الآخر غير الأبيض، وقبولها على أنها نتيجة للسياسات الاستعمارية الغربية. هذا الوعي يمكن أن يكون البذرة التي تحوّل هذه الاحتجاجات إلى حركة ثورية، تُعيد إلى الذاكرة ستينيات القرن الماضي. سبب آخر لعدم قبول هذا الانتصار.
انتصار لا يمكن إعلانه بسبب استمرار المجازر ضد المدنيين في غزّة، وهزيمة لا يمكن قبولها بسبب ما تحمله من انعكاسات عسكرية وسياسية وثقافية على مستوى المجتمع الغربي. في هذه المساحة تضطر الشعوب إلى الاستمرار في معركة الوعي، من ناحية، وفي معركة البندقية، من ناحية أخرى، لتحقق التغيير المنشود.
الغائب عن هذه المعركة هو الشعوب العربية ومثقفوها الذين استكانوا لصورة الهزيمة، وتحولوا إلى إرادة معطلة لا تريد، واستمروا في ترداد اللغة والحجج نفسها، التي تنتمي إلى زمن ما قبل الـ7 من أكتوبر.
لا بد من أن نشعر بالغرابة ونحن نستمع إلى مثقف يتحدث عن مؤتمر للسلام، يقابله مثقف غربي يشكك في حق "إسرائيل" في الوجود. المطلوب وعي ولغة وإرادة جديدة تنتمي إلى زمن النصر، فالنصر العظيم يحتاج إلى مؤمنين عظماء.
عماد الحطبة ـ الميادين
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً