أقلام الثبات
تتزايد الانقسامات "الاسرائيلية" سواء بين المستوى العسكري والسياسي، أو بين السياسيين أنفسهم، وقد انعكس هذا الأمر في التصريحات العلنية والاتهامات التي تبادلها كل من بني غانتس ونتنياهو، وبين نتنياهو ويوآف غالانت، بالإضافة الى التصريحات التي يطلقها القادة العسكريون، ولعل هذا يعود بشكل رئيسي الى عودة الحرب في غزة الى نقطة الصفر، واعتراف الجيش الإسرائيلي أنه يشهد معارك هي الأكثر ضراوة منذ بداية الحرب على غزة، وتحذير قادة الجيش من أنهم يدورون في حلقة مفرغة.
وبدأت الاتهامات بين نتنياهو وغانتش، حيث أعلن غانتس اعطاء مهلة لنتنياهو تنتهي في الثامن من حزيران/ يونيو، لوضع خطة استراتيجية واضحة لسير الحرب واليوم التالي. وطالب غانتس بوضع خطة لتحقيق أهداف: عودة المحتجزين، وتقويض حكم حماس سياسياً وعسكرياً، تجريد قطاع غزة من السلاح، وتحديد البديل لحكم القطاع. واشترط غانتس - في الخطة الاستراتيجية أيضاً - إعادة سكان الشمال والبلدات "الإسرائيلية" الحدودية مع لبنان إلى منازلهم لحين بدء الدراسة في الأول من أيلول/ سبتمبر المقبل، والسير بالتطبيع، واعتماد مشروع لتجنيد الحريديم.
أما في المقلب الآخر، أي بين نتنياهو وغالانت ومن ورائه قادة الجيش، فلم يعد الصراع مقتصرًا على مواجهة بين نتنياهو ووزير الدفاع فقط، بل بات مواجهة بين نتنياهو وقادة الأجهزة الأمنية ووزراء مجلس الحرب حول من يتحمل المسؤولية عن الغرق في رمال غزة، خاصة وان نتنياهو كان قد ادعى – في وقت سابق - انه حقق انجازات كبيرة بالقضاء على المقاومة في شمال ووسط غزة، وها هو الجيش "الاسرائيلي" يعود ليقاتل في أماكن كان قد قاتل فيها مرتين وثلاث مرات في وقت سابق (كما قال أحد القادة العسكريين).
ومن ضمن هذا الاشتباك، اتهمت "هآرتس" الجيش الاسرائيلي بصناعة الكذب لإيهام الجمهور "الاسرائيلي" بأن هناك انتصارات تحصل في الميدان، وقال اللواء احتياط إسحق بريك "إن الجيش لا يملك القدرة على إسقاط حركة حماس ولا على دفع حزب الله الى الوراء حتى لو طال أمد الحرب"، واعتبر إن "استمرار الحرب في غزة سيكبد "إسرائيل" خسائر جسيمة تتمثل في انهيار جيش الاحتياط خلال فترة وجيزة كما تشمل انهيار الاقتصاد، بالإضافة الى تدهور علاقاتها الدولية وتمزق مجتمعها من الداخل".
وهكذا، يبدو أن "الاسرائيليين" اليوم انتقلوا من مرحلة الاختلاف على تصورهم لما يسمى "اليوم التالي" الى الاختلاف على "اليوم الحالي"، وعلى إدارة الحرب التي يرون أنهم يخسرون فيها ويحاولون كلٌ بدوره أن يتنصل من مسؤولية الغرق في مستنقع غزة، للحفاظ على مستقبله السياسي وعبر تقديم كبش محرقة لهذا الفشل.
ويدرك نتنياهو هذه الحقيقة لذا فهو يواجه على مستويين: المستوى العسكري حيث يحاول أن يحمّل الجيش مسؤولية الاخفاق في الحرب، وعلى المستوى السياسي حيث يريد أن يحمّل خصومه مسؤولية أي تنازلات سياسية سواء عبر عقد صفقة تبادل أو سواها. وعليه، لا يبقى أمام نتنياهو سوى أن يتمسك باليمين "الاسرائيلي" لأنه فرصة نجاته السياسية، لذا من غير المتوقع أن يقدم نتنياهو على تقديم اي تنازل سياسي، سواء عبر عقد هدنة أو الوعد بدولة فلسطينية لتحقيق التطبيع مع السعودية أو سواها.