أقلام الثبات
يعيش لبنان أسوأ مراحل الحكم والإدارة في تاريخه، حيث يمكن القول إنه لا دولة ولا مؤسسات تقود في لبنان وانما مجموعة شخصيات في دوائر ووزارات تصدر القرارات التي تراها صالحة او مفيدة، وبحلقات منفردة وليس ضمن سلسلة واحدة ومتكاملة.
عندما نقول الدولة لا نتحدّث عن "شبح" او وهم ولابد من تعريف الدولة بما تمثل رمزا للحكومة ومؤسساتها ومجلس النواب والادارات، وعندما نتهم الدولة فإننا نتهم الأطراف السياسية التي تشكّل الحكومة ومجلس النواب، والتي تعيّن وتحمي الموظفين التنفيذيين.
الحكومة ليست وهما او شبحا او من نوع "الجن السياسي" غير المرئي، انما هي شخصية معنوية واعتبارية، تمتلك سلطة القرار التنفيذي على مستوى الوطن وتتشكل من وزراء يمثلون احزابا سياسية او طوائف في لبنان، وبالتالي فإن اي قرار حكومي او نيابي تتحمل وزره ومسؤوليته الاحزاب والقوى السياسية والطائفية المشاركة في الحكومة والمجلس النيابي، وان خرج أحد من هذه الاطراف المشاركة متهما الدولة بالتقصير، فهو يحاول التهرّب من المسؤولية لأنه كان عليه الاعتراض قبل التنفيذ او تقديم اقتراحات ليصبح التنفيذ والقرار أكثر صوابية وأكثر عدالة.
من واجب الحكومات في العالم ان يكون لها خطط خمسية او عشرية في مجال التنمية والتطوير وكذلك في الإدارة السياسية والعامة، لكننا في لبنان نعيش "مياومة تخطيطية"؛ لا تتعدى اليوم او الاسبوع، وعشوائية في التنفيذ، وفيها بعض الانفعالية والمزاجية، حتى أن بعض القرارات التي تصدر يتم تعديلها بعد ايام او تنحرف مع مسارها؛ بما يشبه "لعب الأطفال" التي عند اصطداها باي حائط او حاجز تنعطف يمينا او يسارا، او تعود الى الوراء فتدور في الغرفة بدون قائد او مسيّر لها حتى تنفذ بطاريتها او تتحطم من كثرة الصدمات.
تُصدر الحكومات قراراتها للتنفيذ، لكن بعض القرارات تحتاج لسلسلة متكاملة من الحلقات من الطابع البريدي الى عقود او مستندات، وعندما يذهب المواطن للتنفيذ، فلا يجد طابعا ماليا، وهنا تتحمل الحكومة مسؤولية التقصير بعدم طباعته او تأمينه للناس، ثم تطالبه بتسجيل السيارة او الدراجة او العقار، لكن المؤسسات المعنية مقفلة حتى غرامة المخالفة او الحجز اضطرت الدولة لان تصدر قرارا استثنائيا لفتح المؤسسات ايام العطلة لدفع الغرامة التي فرضتها الدولة!
تُصدر الدولة قرارا لا يمكن تنفيذه، لأن الدولة غير قادرة على تنفيذه عبر مؤسساتها المعطلة، نتيجة نقص الرواتب وعدم قدره الموظفين على الدوام، فتبادر الدولة لمعاقبة المواطن المظلوم، المسلوبة ودائعه في المصارف التي تتهم الدولة بانها سرقت اموال المودعين او سرقته المصارف التي لم تحاسبها الدولة !
ان الاحزاب المشاركة والمؤلّفة للحكومة هي المسؤولة عن كل خطأ او نقص في التدبير او سوء في الإدارة وعما يعانيه الشعب اللبناني، ولا يحق لها ان تبادر للتصريح باتهام الدولة وإذا صرحت فهي تتّهم نفسها، لأن مسؤولية إدارة الدولة عبر الحكومة والمجلس النيابي.. إنها مسؤولية جماعية تتحملها كل الاطراف السياسية المشاركة والصامتة، وربما المتواطئة في هذا الانهيار الخطير على المستوى المؤسسات الدستورية او الإدارية والعامة، والاكثر من ذلك انهيار المجتمع اللبناني على مستوى الأسرة والبطالة والمخدرات والهجرة.
ليس الحل في ان يتم تعطيل او توقيف الخطة الأمنية، بل الحل في ان يتم تصويبها ورعايتها وتامين حسن تنفيذها، وفتح الأبواب امام المواطنين لتسوية مخالفاتهم ضمن مهل زمنية، وبعدها تتم المحاسبة ضمن الاطر القانونية، ولا يجوز ان تتجاوز القوى الأمنية القانون في طريقة التعامل مع المواطنين لتطبيق القانون.
ندعو لاستكمال الخطط الأمنية المدروسة، لمكافحة المخدرات والمخالفات والمافيات والخوّات، وعلى الاحزاب ان تتعاون مع اجهزه الدولة، وتراقبها حتى لا تنحرف الامور الى دائرة الفلتان.. والفوضى .. والفتنة.