أقلام الثبات
يبدو ان العدو "الاسرائيلي" يكرّر ما فعله في حرب تشرين عام 1973، بما عرف بثغرة "الدفرسوار" على الجبهة المصرية، فبعد اجتياز الجيش المصري لقناة السويس وتحطيم خط "بارليف" والسيطرة على الميدان والتوغل في عمق سيناء وتحقيق انتصارات واضحة على الجبهتين المصرية والسورية، قاد ارييل شارون عملية تسلل ومغامرة عسكرية واخترق الجبهة المصرية في منطقه "الدفرسوار" وحاصر الجيشين الثاني والثالث المصري، مما انتج وقفا لاطلاق النار على الجبهة المصرية وزاد الضغط على الجبهة السورية ضد الجيش السوري وكانت النتيجة المفجعة في مصر وقف اطلاق النار والتي انتهت باتفاقيات "كامب ديفيد"؛ اول اتفاقيه سلام او استسلام بين العرب و"اسرائيل"، واستطاعت ثغرة "الدفرسوار" تحويل الهزيمة "الإسرائيلية" الى نصر.
كان هدف التسلل في ثغره الدفرسوار المصرية تغيير الوضع الميداني السلبي للجيش "الاسرائيلي" قبل وقف إطلاق النار، لتحسين الشروط من موقع القوة او التوازن العسكري بدل التفاوض من موقع الهزيمة!
تعيد "اسرائيل" نفس التجربة في رفح، فبعد سبعة أشهر من الاخفاق والعجز والصفعات والهزائم المعنوية والميدانية كان لابد من ان تبادر "اسرائيل" الى تحسين ظروف شروط التفاوض فاختارت الخاصرة الرخوة معبر رفح ومنطقتها لتحسين شروط التفاوض وتحقيق النصر المعنوي بعنوان تقويض حكم حماس في غزة ولذا ماطلت "اسرائيل" ولم توقع هدنة رمضان ولا هدنة عيد الفطر ولا زالت تماطل حتى اللحظة، وستبقى تماطل وتراوغ حتى وضع اليد على رفح، واسقاطها سلما او حرباً.
تمثل رفح دفرسوار غزة "الاسرائيلي"، وعندما تسيطر "إسرائيل" على رفح ستاتي الى طاولة المفاوضات لتفرض شروطها وتحصد كثيرا من التنازلات مضافة لما استطاعت تحصيله حتى الآن من قوى المقاومة المُحاصرة بين فكي كماشة؛ بين التوحش والقصف "الاسرائيلي" والفك الاخر المتمثل بالضغط والتآمر العربي والتركي حتى وصلت المقاومة للتفاوض لاطلاق سراح مليوني مدني فلسطيني في غزة وانقاذهم من الموت وحفظ حياتهم مقابل 100 اسير "اسرائيلي"، وانتقل التفاوض من طرح عناوين سياسية ومستقبل القضية الفلسطينية بعنوانها العام الى التفاوض على امور تتعلق بعدد شاحنات الغذاء وعدد الخيم والبيوت الجاهزة النقّالة ومن يحق له التنقل في غزه الضيقة، وتم اجهاض انتصارات المقاومة من اطلاق الأسرى الفلسطينيين وتثبيت الحق الفلسطيني في اقامه دولة الى تثبيت حق الفلسطيني بالعودة الى الخيام في غزة.
ان رفح تشكل المعركة الأساسية للعدو "الإسرائيلي" ليس بالمعطى الجغرافي والعسكري فقط، بل لانها:
- مفتاح استعادة الهيبة "الإسرائيلية" والأمريكية .
- مفتاح استعاده الهيبة للجيش "الإسرائيلي".. والامل بالأمان للشعب "الاسرائيلي".
- مفتاح المستقبل السياسي لنتنياهو واليمين والمتطرفين اليهود.
- رفح هي امل العرب المطبّعين بإسقاط حركات المقاومة والقضاء عليها.
- رفح نعي للدولة الفلسطينية والكفاح المسلح.
- تحوّلت رفح الى معركة مفصلية بين "اسرائيل" واميركا وحلفائها العرب وبين المقاومة الفلسطينية وحلفائها في محور المقاومة ...فاما ان تكون رفح "دفرسوار غزة" او تكون "وادي الحجير" في حرب .2006
- رفح هي الجولة الأخيرة في حرب غزة فمن يربح رفح، ربح الحرب.
لذا لن توقّع "اسرائيل" اي اتفاقية قبل اسقاط رفح وستماطل ويعاونها اميركا والعرب المطبّعون وتركيا في مسرحية خداع وتضليل عن خلافات بين "اسرائيل" وحلفائها ومنع تصدير السلاح ووقف التجارة مع تركيا وكلها اضاليل حتى مصر التي صمتت وحاصرت غزة، فإنها صمتت عن خرق "اسرائيل" لاتفاقية كامب ديفيد.
المشكلة ان المقاومة بالمعطى العسكري تستطيع الصمود في غزة، لكنها تنوء بعبء مسؤولية اهلها المحاصرين من العرب و"الاسرائيليين" وهي في موقف صعب كمن يتجرع كأس السم وبين خيارين كلاهما مر وصعب، فان وقعت على اتفاق الهدنة المحصور بالغذاء والاسرى تكون قد خسرت كل تضحياتها وتحتاج لعقد من السنين لبدء الكفاح المسلّح، وإن رفضت فسيتعرض اهل غزة للقتل والحصار والجوع والعطش والإبادة الجماعية، لان احدا من العرب والمسلمين لن يقف معهم، ما عدا محور المقاومة.
أعان الله المقاومين واهلهم، ولعن المتآمرين.
هل تكون رفح "دفرسوار" غزة؟ ــ د. نسيب حطيط
الجمعة 10 أيار , 2024 10:03 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة