أقلام الثبات
تتعرّض غزه لحرب يخوضها الجيش "الاسرائيلي" بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن المحور الاميركي الذي يضم الغرب والعرب المطبّعين على مستويين: مرحلي واستراتيجي طويل المدى .
- المستوى المرحلي عنوانه الرد على عملية الطوفان الاقصى واسترجاع الاسرى الاسرائيليين واستعادة الهيبة العسكرية والمعنوية للعدو بالقضاء على حماس وقوى المقاومة ونزعه سلاحها.
- المستوى الاستراتيجي: بدء الهجوم الأميركي المضاد، للقضاء على منظومة حركات المقاومة التي ظهرت على مستوى المنطقة، كمنظومة موازية ورديفة للمنظومة الرسمية للأنظمة العربية، والتي استطاعت في مرحلتها الاولى ان تصبح شريكة في إدارة المنطقة وسياساتها وفرض شروطها وعرقلة المشروع الاميركي، للسيطرة على المنطقة وثرواتها وشعوبها، والخوف الاميركي ان تتطور هذه الشراكة الى مستوى ان تصبح حركات المقاومة بديلة عن الأنظمة المتحالفة مع اميركا، والتي بدأت بوادرها في اليمن، حيث صار "لانصار الله" دولة في شمال اليمن، وفي العراق هناك شراكة، على المستويين السياسي والعسكري، لحركات المقاومة عبر الحشد الشعبي واحزابه، وفي لبنان استطاعت قوى المقاومة ان تكون شريكة في تقرير المصير السياسي، وعلى الاقل تملك حق النقض "الفيتو" على المستويين السياسي والعسكري.
ان فهم البعض حرب غزة من منظارها المرحلي فقط، هو فهم ناقص وجزئي يحاول فهم جزء من المشهد واستخلاص النتائج، مما يجعل نتائجه منقوصة وغير واقعية، وفيها الكثير من الالتباس .
ومع الثناء والتقدير لما قامت به المقاومة في غزة، والذي يمكن وصفه بالإعجازي والصمود الاستثنائي والصبر لأهل غزة، بالتلازم مع ذروة التآمر والخيانة العربية والتركية خصوصا، لكن لابد واعتمادا على الرؤية الكاملة لحرب غزة التي بدأت ولن تنتهي بهدنة او حتى وقف إطلاق النار، والتي يمكن ان تكتب خاتمة للمستوى المرحلي للحرب، والذي يتمثل بتبادل الاسرى ووقف النار غير الدائم، ويمكن ان يتم استعمال مصطلح القرار 1701 "وقف الاعمال العدائية"، مع تأويل لمصطلح وتعريف الأعمال العدائية، بحيث يكون كل عمل اسرائيلي عدواني هو عمل دفاعي لا تنطبق عليه قاعدة العدائية، وكل دفاع للمقاومة يصبح عدائياً.
ان الحرب على غزه وفق المستوى الاستراتيجي حلقة من سلسلة الهجوم الأمريكي - "الإسرائيلي" الشامل ضمن حركات المقاومة التي استطاعت ان تحجز مكانا لها على المستوى السياسي والعسكري في منطقه الشرق الاوسط منذ العام 2000 تقريبا وثبتت حضورها بمواجهة "الربيع العربي"، وكانت ذروة احتلالها للمشهد السياسي والعسكري كطرف واضح وحاضر ومؤثر في الساحة، مقابل الأنظمة المختبئة وراء اميركا و"إسرائيل"، مما اعطاها بعض نقاط التفوق على الأنظمة التي تحوّلت الى أنظمة تابعة وداعمة "لإسرائيل" لمواجهة قوى المقاومة، حيث شكلت الدول العربية المطبّعة وتركيا "جبهة اسناد" للعدو "الاسرائيلي"، مقابل جبهات الاسناد للمقاومة لتامين التوازن بين المقاومة في غزة والعدو "الاسرائيلي".
ان الحرب التي بدأت على غزة، ستكون حرباً طويلة متنقلة في الجغرافيا، ومتنوعة الاساليب والمحاور والشعارات والعناوين والأدوات، تختلط فيها الفتن والحروب البديلة مع الحروب المباشرة مع اميركا و"اسرائيل" ولابد من الاعداد "لعشرية" من المواجهة والمعارك بين قوى المقاومة واميركا وحلفائها، مع التحذير ان حرب غزة سيتم استكمالها سواء بحروب ناعمة او ساخنة، للانتهاء من الحلقة الخطيرة والمهددة للكيان في الداخل "الاسرائيلي"، ولسلب ورقة القضية الفلسطينية من ايدي قوى المقاومة وعزلها عن التأثير في قضية الصراع مع العدو "الإسرائيلي"، لحصارها في اوطانها وطوائفها والتمكن من اثارة خصومها ومنافسيها وانزال مستوى الصراع من القضية المركزية مع اسرائيل واميركا، الى صراع مع الطوائف والمذاهب والقوميات وربما داخل الطوائف انفسها لهتك قدسية السلاح، واهانة وتسخيف المقاومين، فبدل الاستشهاد من اجل القدس، يصبح الاستشهاد من اجل صورة او احتفال او عقار او انتخابات..
وختاماً، لابد من لفت انتباه الذين يسخّفون احتلال العدو لمعبر رفح، إن هذا الاحتلال جوهري في حرب اعدام غزة، فإقفال رفح اعلان لافتتاح المنفذ البحري الأميركي - "الاسرائيلي" المتمثل ببناء "ميناء بايدن" في غزة، لإطباق الحصاري وامساك كل مفاتيح الدخول الى غزة؛ براً وبحراً وجواً.
الدعاء للمقاومين بالصبر والنصر.
غزة بين مشروعين للإعدام: مرحلي واستراتيجي ــ د. نسيب حطيط
الأربعاء 08 أيار , 2024 11:05 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة