أقلام الثبات
كان لافتاً التصريح الذي أطلقه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان من الدوحة، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والذي قال فيه "إن حماس مستعدة لحل جناحها العسكري بمجرد إنشاء دولة فلسطينية على حدود عام 1967"، وذلك بعد ان التقى بإسماعيل هنية مدة ثلاث ساعات.
قد يكون هذا التصريح مبكراً نوعاً ما نظراً الى أن "اسرائيل" ترفض كلياً السير بحل الدولتين، وترفض كلياً إعطاء أي حقوق للفلسطينيين، ويتفاخر نتنياهو بأنه منع إقامة دولة فلسطينية، وانه لن يسمح بتحققها مادام موجوداً في رئاسة الوزراء.
ولفهم الابعاد من التصريح، من المفيد الاضاءة على مسار الموقف التركي من حرب غزة:
- في الايام الاولى التي تلت عملية 7 تشرين الاول/ اكتوبر ركّز الخطاب التركي الرسمي على التنديد بـ"استهداف المدنيين" والمطالبة بإطلاق سراح "الرهائن" لدى حماس فورًا دون قيد أو شرط، بالاضافة إلى عرض أن تقوم تركيا بالوساطة بين الجانبين.
- بعد مرور اسابيع، قالَ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنَّ بلاده "مستعدة للاضطلاع بالمسؤولية مع دول أخرى في المنظومة الأمنية التي ستؤسَّس في غزة، بما في ذلك أن تكون دولة ضامنة"، وكان ذلك الخطاب- في حينه- مستغرَباً، اذ ما زالت الحرب في بدايتها.
- فيما بعد، أعربت "اسرائيل" عن رفضها للتدخل التركي في الوساطة بشأن غزة، منتقدة خطابات الرئيس اردوغان النارية ضد "اسرائيل"، وقال اسماعيل هنية مؤخراً إن "إسرائيل ترفض أن تكون تركيا وروسيا من الدول الضامنة لأي اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة".
- وبالرغم من التصريحات النارية لأردوغان، استمرت العلاقات التجارية والتصدير التركي "لإسرائيل" بدون انقطاع خلال الحرب.
بالنظر الى التطورات في غزة، والمسار الدولي والدبلوماسي الذي يحاول أن يصل الى هدنة، يمكن القول إن تركيا تحاول أن تلعب دوراً محورياً في المنطقة انطلاقاً من رؤية اردوغان لما سماه "القرن التركي" في الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية، على الشكل التالي:
- تسعى تركيا الى تكريس نفسها دولة قائدة في المنطقة وفي عدة اقاليم في العالم (مشروع القرن التركي)، وبالتالي يمكن لها أن تستثمر علاقتها الجيدة بحماس للدخول الى الشرق الاوسط في قضية مركزية متل القضية الفلسطينية.
- تسعى تركيا الى أن تكون مركزاً يمر عبره مشاريع الغاز الطبيعي من شرق المتوسط الى أوروبا، وكان اردوغان قد عوّل على عودة العلاقات مع "اسرائيل"، ولقائه بنتنياهو على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول / سبتمبر عام 2023، لبحث مشاريع نقل الغاز "الاسرائيلي" الى أوروبا عبر تركيا كبديل عن الممر المصري.
- كما في قضية قبرص، أو أرمينيا واذربيجان، تسعى تركيا أن يكون لها موطئ قدم في منطقة استراتيجية هامة على البحر المتوسط، بما يعنيه وجودها "العسكري" في غزة من أهمية استراتيجية، على حدود مصر و"اسرائيل"، وعلى واجهة شرق المتوسط، ومنه في المشاريع المستقبلية للتنقيب عن الغاز في بحر غزة.
وعليه، تطرح تركيا تصورها ل"اليوم التالي" في غزة، وفي هذا الاطار، وتطرح نفسها دولة ضامنة "عسكرياً وسياسياً"، وكجزء مما اسماه أردوغان "البنية الأمنية في غزة ما بعد الحرب"، ومن ضمن هذا التصور، يتم البحث بحلّ الدولتين، وبدولة فلسطينية منزوعة السلاح يتم تخلي حماس فيها عن سلاحها وجناحها العسكري.
أما المشكلة التي تعترض هذا التصور التركي، فهو رفض "اسرائيل" مطلقاً لأي دولة فلسطينية، ومن غير الواضح كيف سيسير التصور التركي حول حل الدولتين ودولة فلسطينية بحدود 1967 في ظل التعنت "الاسرائيلي" ضده. وعليه، قد يكون الطرح التركي مقدمة للدخول التركي على خط تأمين دولة ضامنة ليس لحلّ الدولتين، بل من ضمن البحث "الاسرائيلي" والاميركي عمن " يتولى مسؤولية الامن في القطاع بعد حماس وانتهاء الحرب".