مقالات مختارة
في كل عام، يبرز يوم القدس العالمي، ليس فقط كتاريخ في التقويم، وإنما كمنارة لتحدي الاحتلال الإسرائيلي. إن هذا اليوم، الذي أعلنه آية الله روح الله الخميني عام 1979، يتجاوز الاحتفال الأولي به، ليجسد صرخة عالمية من أجل العدالة والتضامن مع القضية الفلسطينية، كما أن حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة تجعل التظاهر في يوم القدس العالمي لهذا العام أكثر إلحاحاً ورمزية.
أهمية يوم القدس العالمي تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد الذكرى؛ إذ إنه بمنزلة صرخة حاشدة، توحد الأصوات المتنوعة في جميع أنحاء العالم من أجل السلام والتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الاحتلال منذ أكثر من 75 عاماً، ما يشير إلى دور القدس ليس فقط كمدينة، ولكن كرمز لنضال الشعب الفلسطيني الدائم في ظل الاحتلال. ومع اكتساب الاستعدادات ليوم القدس العالمي زخماً كبيراً، تزداد أهميته بسبب الحرب المستمرة على الشعب في غزة، ما يلفت الانتباه إلى المحنة الفلسطينية ويحشد الدعم من خلال التظاهرات المخطط لها على مستوى العالم.
إن تطور وترسيخ فكر ونضال محور المقاومة في جميع أنحاء العالم يشكل منارة إلهام للشعوب التواقة إلى الحرية. لقد برزت المقاومة (بجميع جبهاتها) باعتبارها الطريق الذي لا يمكن إنكاره للتحرر. وتتجلى هذه الصحوة الجماعية بوضوح من خلال الدعم الواسع النطاق لفلسطين، مع خروج التظاهرات في كل ركن من أركان المعمورة. ويبرز يوم القدس العالمي كدليل على هذه الوحدة، ويمثل لحظة حاسمة من التقارب بين المجتمعات الإسلامية وخارجها، في كل من الدول الإسلامية وغير الإسلامية. إن الاحتفال بهذا اليوم يتجاوز مجرد التقليد؛ بل هو واجب أخلاقي وديني، يسلط الضوء على أهمية القدس وغزة في الضمير الجماعي للشعوب المسلمة وغير المسلمة.
يرمز محور المقاومة إلى حركة أوسع نطاقاً، تتضمن أسس الإنسانية والحرية والقدرة على الصمود في وجه القمع. إنها صرخة حاشدة لأولئك الذين يدافعون عن الكرامة والعدالة، وتجاوز الانقسامات الجغرافية والدينية والطبقية.
إن موقف الملايين من الناس الذين سيخرجون بشكل غير مسبوق في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك واضح ولا لبس فيه، من حيث دعم القضية الفلسطينية وغزة في مواجهة مجرمي "إسرائيل".
إن معارضة مثل هذا الظلم تعني الانضمام إلى جبهة المقاومة ودعم جهودها ضد جرائم "إسرائيل"، وذلك بغض النظر عن الدين أو العرق أو الموقع الجغرافي.
كما أنّ الكفاح من أجل الإنسانية والكرامة لا يقتصر على البعد العسكري وساحة المعركة وحدها. إنه صراع يشمل مختلف أشكال التعبير والعمل، سواء كان ذلك من خلال قوة القلم، أو تأثير الرسالة، أو إبداع الرسوم الكاريكاتورية، أو التضامن عبر الخروج بمسيرات مليونية، فإن كل عمل من أعمال الدعم يلعب دوراً حاسماً في مواجهة العدو الصهيوني. وعلى نحو مماثل، فإن أولئك الذين يواجهون الإرهابيين والقتلة والمحتلين على الخطوط الأمامية بالأسلحة يجسدون أقصى قدر من الالتزام بهذه القضية. إن النضال من أجل حرية فلسطين هو معركة متعددة الأوجه، تجمع الأفراد من مختلف أطياف المجتمع للمساهمة بطرقهم الفريدة. وفي هذا الكفاح من أجل العدالة والكرامة الإنسانية، فإن كل صوت وكل عمل وكل عرض للتضامن له أهميته، ما يؤكد العزم الجماعي على الوقوف ضد الاستبداد والقمع.
تاريخياً، تجسد جوهر المناورات الجيوسياسية الغربية منذ فترة طويلة في مبدأ "فرق تسد"، وهو تكتيك مصمم لكسر وحدة الشعوب وتسهيل السيطرة والإدارة والاستيلاء على الأراضي واستعمارها ونهب خيراتها. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية فشلت بشكل كبير نظراً إلى ظهور محور المقاومة والشعوب التي تدعم هذا المحور الذي يعمل اليوم بشكل منسق لمواجهة القوى الاستعمارية وأحفادها من الصهيونية الإسرائيلية. لقد قلب هذا المحور بدعم شعبي منقطع النظير الطاولة على الاستراتيجيات الغربية التقليدية من خلال مستوى غير مسبوق من التعاون والتنسيق والتضامن، والذي يظهر بشكل خاص في محورية القدس بالنسبة إلى سائر المسلمين ومن ثم التضامن مع غزة في مواجهة حرب الإبادة الجماعية والهجمات البربرية الإسرائيلية.
ويمثل فتح جبهات الدعم في لبنان واليمن والعراق وسوريا، بدعم من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تطوراً محورياً في المشهد الجيوسياسي الإقليمي، ويشير إلى الانخراط النشط لمحور المقاومة ضد السياسات الإسرائيلية والأميركية في الشرق الأوسط. إن تفعيل محور المقاومة، يؤكد جهداً مدروساً ومنسقاً ليس فقط لتحدي الوضع الراهن، بل أيضاً لوضع القضية الفلسطينية كقضية مركزية على الساحة الإقليمية والدولية. ويهدف هذا النهج إلى ضمان أن أي مناورات عدوانية مستقبلية تقوم بها الولايات المتحدة أو "إسرائيل" في المنطقة يجب أن تأخذ في الاعتبار حالة الاستعداد المتزايدة والتداعيات الأوسع للتعامل مع جبهة مقاومة موحدة عسكرياً وشعبياً.
في هذا العام، في يوم القدس العالمي، من المقرر أن ينكشف حدث مهم، يوضح رواية مضادة قوية لعقيدة "فرق تسد"، حيث يستعد ملايين الأشخاص من جميع أنحاء العالم للتعبير عن دعمهم الثابت لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق وسوريا وإيران. لقد أصبحت هذه الحركات ترمز إلى النضال من أجل التحرير، وتعرض ما يعنيه النضال من أجل الشرف والكرامة والدفاع عن الأرض المقدسة.
ختاماً، إن هذا اليوم ليس مجرد علامة زمنية، بل هو مظهر حي للتضامن العالمي مع مُثُل المقاومة ضد الاحتلال والعدوان. وهو يسلط الضوء على صحوة جماعية لأهمية الوحدة في مواجهة محاولات زرع الفرقة. إن دعم القضية الفلسطينية ليس لحظة عابرة من التعاطف، بل هو تعبير مستمر عن احترام صمودها وجهودها لدعم مبادئ الشرف والسيادة.
وبينما يراقب العالم، من المقرر أن يصبح يوم القدس العالمي لحظة فاصلة في رواية المقاومة. إنه يوفر الفرصة للشعوب في جميع أنحاء العالم للوقوف معاً في عرض للتضامن الذي يتجاوز الانقسامات الجغرافية والثقافية والدينية. وهذا الموقف الجماعي هو بمنزلة شهادة على روح المقاومة الدائمة ورفض القهر والانقسام. ويؤكد الالتزام المشترك بدعم الحركات التي تسعى جاهدة لتحرير شعوبها والدفاع عن حقوقها في العيش بكرامة وحرية.
وفي هذا السياق، يصبح فشل استراتيجية "فرق تسد" واضحاً، ليس فقط في ساحات القتال، بل في قلوب وعقول الملايين على مستوى العالم. يدل هذا التحول على اتجاه أوسع نحو الاعتراف بالتضامن والتعاون والتنسيق وتقديرهما كعناصر أساسية في السعي لتحقيق العدالة والتحرير للقدس وغزة. وهكذا يبرز يوم القدس الدولي كرمز قوي للوحدة العالمية، ودعم أولئك الذين يقاومون القمع ويناضلون من أجل حقوقهم وقيمهم الأساسية.
محمد علي صنوبري ـ الميادين
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً