اللجنة الخماسية تنتظر دولة سادسة لاستيلاد رئيس لبناني؟! ــ أمين أبوراشد

الثلاثاء 19 آذار , 2024 11:32 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تبدو اللجنة الخماسية حول لبنان غير صائمة عن الجولات خلال شهر رمضان، لكن الإفطار على رئيس في بعبدا يبدو بعيد المنال، وهذه اللجنة التي انطلقت في العام 2022 تجد نفسها تدور في حلقة مفرغة مع اعتراف سفراء دولها في بيروت أن انتخاب الرئيس عبر التوافق بين اللبنانيين ما زال في دائرة التشاور رغم مرور ستة عشر شهراً على الفراغ الرئاسي، ولذلك هي ليست على عجلة من أمرها في الإفطار ما دامت القوى السياسية في لبنان مصممة على دوام الصيام إلى ما شاء الله.

ومع اعتراف سفراء دول "الخماسية" في بيروت (قطر ومصر والسعودية والولايات المتحدة وفرنسا) أنهم لا يقترحون على اللبنانيين اسماً معيناً لرئاسة الجمهورية، تاركين لهم حرية التوافق على الاسم، فإن هذا يعني أنه أمر غير مباشر باتخاذ وضعية مكانك راوح، خصوصاً بعد إبلاغ وزير الخارجية المصري سامح شكري المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان أن حل مشكلات لبنان يبدأ بعد وقف إطلاق النار في غزة، علماً أن هذا النوع من الأزمات اللبنانية يكاد يلامس عمر المشكلة الفلسطينية منذ ثلاثة أرباع القرن، مع مفارقة هامة أن حفلات "الكباش" اللبناني قد تغيرت فيها أحجام القوى السياسية، وبات "الزند المسيحي" هو الأضعف في هذا "الكباش".

ومع وجود تسريبات إعلامية عن نية الولايات المتحدة الانسحاب من اللجنة الخماسية لعدم جدوى البقاء فيها، فإن هذه اللجنة لو غدت رباعية أو بقيت خماسية، فهي حالياً غير ذات جدوى، ليس لأن هذا رأي أميركي، بل لأن هذه اللجنة لا تراعي مصيبة النظام السياسي اللبناني الذي يعتمد قاعدة 6 و6 مكرر في التوازن الطائفي، حتى في اللجنة الخماسية، التي تفتقد العنصر السادس الواجب انضمامه إليها، وهي إيران، عندها يكتمل التمثيل، ويتم التوازن على القاعدة الميثاقية، سيما أن الأطراف العرب في هذه اللجنة منقسمون: السعودية، جماعة 14 آذار محسوبون عليها، ومصر تميل إلى 14 أكثر من 8، وقطر تميل إلى 8 أكثر، ربما لأنها تلعب "الكباش" مع المملكة منذ مؤتمر الدوحة عام 2008، والذي أنجب الرئيس ميشال سليمان.

لكن إصرار 8 آذار على سليمان فرنجية لا يشبه ذلك "العناد" الذي أتى بالرئيس ميشال عون، لأن التفاوت في حجم التمثيل المسيحي لا يُقارن، ولعل عتب التيار على حزب الله قد تجاوز الزعل الناجم عن عدم تطبيق البند الرابع من وثيقة تفاهم مار مخايل؛ حول بناء الدولة طيلة عهد الرئيس عون، ليصل الزعل الى الاستحقاق الرئاسي الحالي، حيث يعتبر التيار أن فرنجية لا يمتلك الحيثية المسيحية التي تؤهله الوصول إلى بعبدا، وأن الإصرار عليه من طرف حزب الله إمعانٌ من الحزب في تقويض الروح الوفاقية التي أرستها وثيقة مار مخايل بين الطرفين.

وقد يعتقد البعض أن الكرة الآن هي في ملعب الثنائي الشيعي لدفعه الى الخيار الثالث؛ العميد جورج الخوري، أو سواه، لكن لا توافق بين القوى المسيحية، خصوصاً "القوات" والتيار، سوى على إقصاء فرنجية من المشهد، ولا مجال لاستيلاد شخص توافقي من لقاء الطرفين المسيحيَّين، لأن اللقاء بحد ذاته "معجزة" لا تتحقق سوى بأعجوبة، والبطريرك الراعي يحمل رتبة كاردينال لكنه ليس طوباوياً لاجتراح الأعاجيب، لذلك لا عجب لو اعتذر عن دعوة باسيل له لجمع القيادات المسيحية، لأنه فعلاً غير قادرٍ على ذلك، نتيجة الحقد الذي يضمره الكل للكل، والكراهية التي تسود التعاطي السياسي بين الأقطاب المسيحيين وتتقدم على ما عداها.

والخلاف المسيحي - المسيحي ليس على توحيد عيد الفصح، ولا على أمور كنسية طقسية، بل هو خلاف سياسي بامتياز، والأحقاد بين القواعد الشعبية هي أيضاً على مستوى القيادات العليا، بدليل أن حراك الشارع بعد "17 تشرين"، تولته علناً وجهاراً أحزاب مسيحية، من فرن الشباك الى الرينغ، مروراً بجل الديب والذوق وصولاً الى جبيل، لتقويض عهد الرئيس ميشال عون، وبعد مغادرة عون بعبدا، لم تعُد التحركات مطلوبة، لأن الدور الذي طلبته السفارات من هذه الأحزاب قد انتهى، وكأن البلد بات بألف خير، وانكفأ المتظاهرون وقُطَّاع الطرق عن الشوارع والتصرفات الشوارعية.

وإذا كان الشريك المسلم في لبنان يُحمِّل الشريك المسيحي مسؤولية عدم التوافق على مرشَّح، فهو ليس على خطأ، لأن الخلافات المسيحية - المسيحية واضحة، وهي على الأقل ذريعة لأي شريك مسلم، سواء كان شيعياً أم سنياً أم درزياً، لأن يرمي الكرة عن ملعبه، لا بل يستطيع الاستثمار فيها لو أراد، سيما أن الشارع الشعبي المسيحي لم يعد يهتم للخلافات بين القادة المسيحيين، لأنهم حتى ولو اتفقوا على ملف، فهم يختلفون على العديد من الملفات، ولعل أبرزها طروحات الكونفدرالية واللامركزية الإدارية والمالية، وأخيراً وليس آخراً الخلاف الحاد حول الحرب مع العدو "الإسرائيلي"، والموقف من المقاومة في لبنان على خلفية دعمها للمقاومة الفلسطينية في غزة.

لكل ما تقدَّم، تجد اللجنة الخماسية نفسها بموقع "قاضي الصلح" في لبنان، وليس من المستبعد وسط التوافق السعودي - الإيراني على الكثير من القضايا الإقليمية، أن تغدو هذه اللجنة سداسية، وعندها يسهل أكثر فرض التسوية على اللبنانيين، ماداموا بحاجة دائمة لرعاية دولية وإقليمية في كل استحقاق وطني، وفي الطليعة انتخاب رئيس يحمل دمغة مزورة تفيد أنه "صُنِع في لبنان"!


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل