من هم هؤلاء الوسطاء، وماذا يُمثّلون؟!

الخميس 14 آذار , 2024 07:57 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

أتساءل استنكاريّاً، كما ملايين العرب بين المحيط والخليج، والعرب المنتشرين في العالم شرقاً وغرباً، والذين نراهم في كل التجمعات والتظاهرات التي تزحم شوارع كبرى مدن العالم، وهتافاتهم مع الأوروبيين، والأميركيين، وفي أميركا اللاتينية، وأفريقيا تزحم فضاء العالم: فلسطين حُرّة من النهر إلى البحر، وحتى على مقربة من (البيت الأبيض) حيث يسمع الخرف جو بايدن وزبانيته الهتافات بالإنكليزية التي تخرق أسماعهم.

نعم، أتساءل مستنكراً وشاجباً ومُحتقراً، كما ملايين العرب: أهؤلاء الذين يوصفون بـ(الوسطاء) عرب؟! وعندي، وعندكم الجواب الذي لم يعد صادماً، لكنه يستحق أن نضعه في موضع يُفرّق بين الحق والباطل، بين الأخوّة والغدر، بين من يصنعون مصير أمة ويدفعون الثمن بكل انتماء وكبرياء، ومن يتآمرون ويبيعون العربي الفلسطيني، ويغدرون علناً بمنتهى الفجور بالمقاومة الممتدة من جنوبي لبنان إلى البحر الأحمر، حيث يخوض اليمن الحر العربي معركة كبيرة مع أميركا وبريطانيا و(ملك البحرين) الذي ارتدى ملابس عسكرية ليأخذ مكانه في التحالف! 

فلنحددهم، من دون استفاضة مملة مكررة في تشخيصهم، كأن ملايين العرب لا يعرفونهم ويتهمونهم بكل التهم الثابتة عليهم: الوسطاء، هؤلاء، لا يمثلون عرباً يحكمونهم ويتحكمون فيهم، وهم اختاروا ألّا يبقوا عرباً لأن هذا الأمر يُخسّرهم اقتصادياً، وسياسياً، ويكسبهم عداءً لا يريدونه ولا يطيقونه، ولا يتحملون تبعاته.

الوسطاء إن انتموا عربيّاً فلهذا الانتماء تبعات وتكاليف، هم منذ بداية (دولهم) المُفبركة لا يريدونها، فحمايتهم متوافرة في القواعد الأميركية، والأساطيل التي ترسو في موانئهم، منذ بدأ تدفق النفط، وارتفعت أعلام تشير إلى أن دولاً وُلدت مع تدفقه، وأن من تسببوا في تدفقه احتضنوا (الدويلات) الوليدة التي أوجدوها، فهم الذين نصبوا حكاماً ستتوافر لهم نِعَمٌ وخيرات تنقلهم من (القبيلة) إلى الدولة بغض النظر عن مساحتها وعدد سكانها، وأن لا مصلحة لهم في مشاركة أي جهة لهم في الثروة لأن هذا يخسّرهم اقتصادياً وسياسياً، فضلاً عن أنه ليس فقط لا يرضي (أولياء النعم)، بل يستفزهم ويدفعهم إلى تجريد من لا يصونون النعمة ويجحدون الفضل، وهذا ما اقتنع به محدثو النعم الذين انتقلوا من البداوة إلى الاستقرار في بيوت وتجمعات طفرت على وجه الصحراء، واستنسخت عمارة لا صلة لها بالبيئة العربية الإسلامية، كما عرفتها دمشق وبغداد في زمن الخلافتين الأموية والعباسية. 

من زار (مدن الملح) رأى عمارة هجينة مستوردة لا تسر الناظرين، بل تملأ نفوسهم غيظاً ممن يقطعون صلاتهم بالتراث العربي الإسلامي، وبكّل ما يربطهم بماضي الأمة وبمستقبلها الذي يعرفون أنه مكلف.

وهذا ما لا يريدونه، بل ينفرون منه، ولا يحبون سماعه، وهو منذ عقود له عنوان بيّن يزعجهم ويخيفهم بما ينطوي عليه من عداء لمن أوجدوا "إسرائيل" وثروات النفط وأعلام دول لا جذور لها: فلسطين قضية العرب الجامعة، وهي قضية مصيرية، ولا بدّ من حسم الصراع مع الأعداء الصهاينة ورعاتهم الذين غرسوهم في قلب الوطن العربي الكبير ليحرموا الأمة العربية من النهوض والتواصل والبناء الحضاري وأخذ دور افتقدوه منذ الهيمنة العثمانية على امتداد أربعمئة عام، ومنذ احتلت بريطانيا وفرنسا المشرق العربي مع سقوط السلطنة العثمانية، وخداع (عرب) وثقوا بسذاجة بالوعود البريطانية التي مزّقت، مع فرنسا، المشرق العربي، ومهدت من أجل تأسيس الكيان الصهيوني.

خيبة (الأمل) البريئة الساذجة بالدول العربية الكبيرة والصغيرة فضحتها معركة (طوفان الأقصى) التي باغتت الكيان الصهيوني المدجج بقوة حُقن بها من راعيته وحاضنته الإمبراطورية الأميركية يوم 7 تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، والمتواصلة حتى يومنا في عام 2024 وفي شهرها السادس، وها هي توجه اللطمات إلى رأس الكيان وجيشه وقادته، وهو لا يملك سوى تدمير البيوت ودفن الفلسطينيين تحت الدمار.

ولا ييأس فلسطينيو قطاع غزة الذين أعادوا إلى القضية الفلسطينية الحضور عالمياً، وفضحوا بدمهم وأشلائهم وحشية الكيان والنفاق والكذب والهمجية للإمبراطورية الأميركية التي تمده بجسر جوي يضمن له القدرة على التدمير وإبادة ألوف الفلسطينيين، بينما رئيسها يردد: لو لم تكن "إسرائيل" موجودة لأوجدناها. والحقيقة أنهم أوجدوها لأنها ضرورة تضمن سيطرتهم على الشرق العربي، والشرق الأوسط، وتضمن لهم التفوّق منذ كانت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والغرب الاستعماري بقيادة الإمبراطورية الأميركية، فهي وجدت لغاية استراتيجية استعمارية أكبر منها.

لذا، يرى العالم دورها في هذه الأيام مفضوحاً، ويرى عظمة مقاومة الشعب العربي الفلسطيني. ولا غرابة في أن تنحاز شعوب ودول وقيادات عالمية من جنوب أفريقيا إلى البرازيل، ويتجلّى المشهد العالمي القومي المنحاز إلى فلسطين، القضية الإنسانية الحضارية، في مواجهة أعداء البشرية التي بدأت أصوات كثيرة ترتفع من واشنطن ونيويورك حتى أقصى مكان في العالم: من النهر إلى البحر فلسطين حُرّة، ويتكشّف لأوساط غير قليلة من الشعب الأميركي أنهم يُسرقون وترسل ضرائب يدفعونها لتنفق على احتياجات حياتهم، فتنقل لتمويل "إسرائيل" و"متدينيها" الذين لا يرضون بأن يحملوا السلاح للدفاع عن كيانهم، فهم (يتعبدون) ويتقاضون أُجرة عبادتهم. وفي أميركا لا ضمان صحي، ولا مساكن للأسر الفقيرة، والتعليم بائس. وهكذا فالكيان الصهيوني الطفيلي يعيش ويتسلّح من دم المواطن الأميركي!

طوفان الأقصى انداح إلى كل أرجاء الدنيا، إلاًّ في بعض البلدان العربية المفضوحة وغير الآبهة والتي تتمنى لو ينتهي هذا الطوفان الذي يتهدد كياناتها الطفيلية العائلية، والتي سارت في خيار التطبيع مع عدو الأمة، وهو عدو فلسطين العربية، إرضاءً لأميركا، وظناً أن الكيان الصهيوني قادر على حماية (دولها)، ومنهم من حرص على تدشين علاقات اقتصادية مشتركة وفتح له اختراقات في بلاد العرب، وفي المقدمة دولة أبناء زايد التي احتلت جزراً يمنية باشرت في تكريسها مواقع لمشاريع اقتصادية استراتيجية بالشراكة مع الكيان الصهيوني.

الكيانات الإقليمية تريد وضع اليد على ما يمكّنها من مساحات تعود إلى بلدان مجاورة، هي في الواقع عريقة في تاريخها. اليمن مثلاً، الذي تحتل دولة أبناء زايد أرضه، وتآمرت عليه، وحشدت المرتزقة لتمزيقه وإضعافه.

وقطر التي موّلت الحرب على سوريا بهدف إسقاطها كدولة حتى تتمكن من تمرير أنابيب غازها عبرها إلى تركيا فأوروبا. وكلفتها الحرب على سوريا 137 مليار دولار، باعتراف رئيس وزراء قطر السابق، وهو من أركان العائلة الحاكمة، وتحسّر على صمود سوريا بالفم الملآن و(نجت الصيدة)! والصيدة هي سوريا العروبة العريقة ووطن الخلافة الأموية. أمّا الدويلة الصيادة فهي إمارة قطر!

ودول التطبيع، من أكبرها إلى أصغرها، من نظام كامب ديفيد إلى البحرين، تقف متفرجة، منتظرة، متشفيّة، وتحجم عن تقديم رغيف خبز وحبة دواء إلى عرب فلسطين في قطاع غزة الذين يقتلون يومياً، ويفتضح تواطؤ عرب التطبيع من آل سعود، الذين كانوا سائرين بخطى حثيثة في مسار التطبيع، فجاء طوفان الأقصى وصدم قطارهم الذي كان يسير مندفعاً إلى هدفه، مديراً الظهر لمبادرتهم العربية في مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002!

أمّا نظام كامب ديفيد فأقله: إنه يتفرّج على موت الغزيين جيرانه وأصحاب العلاقة التاريخية والجغرافيا معه عبر التاريخ. فمن غزة كانت جيوش الفراعنة تعبر لمواجهة أي عدو يهدد أمن مصر، وفي غزة طريق صلاح الدين من مصر إلى عمق فلسطين لمحاربة الغزاة الصليبيين، طريق تحرير فلسطين بوحدة مصر وسوريا التي كنست الغزاة وأعادت الطريق سالكة بين سوريا ومصر طريقاً عربية إسلامية، وهي الطريق التي تخلّى عنها (بطل) السلام الذي أضاع مصر في متاهة وعود أميركية لا تسمن ولا تغني من جوع. وانظروا وتأملوا ما يحدث لمصر ونيلها وجنيهها واقتصادها!

من (دبي) تندفع شاحنات تحمل كل ما يحتاج إليه الكيان الصهيوني، والحدود كلها مفتوحة وسلسة، وهل الذين يرمون ساندويشات جواً تسقط في البحر يقومون بفعل عربي أخوي؟! وهل مشاركة أميركا في إسقاط حاويات تهوي على رؤوس أهلنا فتهرسهم أسوة بالقذائف والصواريخ الأميركية التي تعجن أهلنا ليل نهار، وتخلط نثار أشلائهم بالإسمنت والحديد اللذين تدمرهما قذائف أميركية، وزن واحدتها طنّ؟ 

وما أُسقط على أهلنا في غزة حتى اليوم يفوق 65 ألف طن أي ما يفوق 3 قنابل ذريّة من التي سقطت على هيروشيما وناغازاكي في الحرب العالمية الثانية، وهي قنابل ذريّة أميركية. ولا عجب!

لقد بلغ الأمر بأبناء زايد أن وفداً عسكرياً زار "تل أبيب" والتقى ضبّاطاً صهاينة قبل أسبوع، بحسب قناة فضائية صهيونية، فماذا كان يعمل؟! هل قدموا خبراتهم إلى زملائهم، ام أنهم يتعلمون منهم؟ أم يشاركونهم في حربهم على عرب فلسطين، ويعدونهم بالمزيد من الدعم المالي للقضاء على مقاومة عرب فلسطين، ولبنان، واليمن؟!

لا، لسنا أخوة عرباً، فهناك قلّة قليلة تابعة أميركياً، منحازة (إسرائيلياً)، وهؤلاء يحاربون كل مقاوم في بلاد العرب، لأنهم يرون أن المقاومة من أجل فلسطين خطرة على (كياناتهم)، وهم بالتأكيد يرون في مقاومة حزب الله خطرا عليهم، ومقاومة اليمن، قيادةً وشعباً وجيشاً في البحر الأحمر، خطراً عليهم، لأنه يفتح العيون والعقول وينمّي الوعي بالانتماء القومي العربي في دويلات يحكمونها.

وبالتأكيد، هم قلقون من تصاعد المقاومة العراقية ضد أميركا ومن هدفها بشأن تحرير العراق من الاحتلال الأميركي، ومن تمدد فعل المقاومة العراقية إلى القواعد الأميركية في سوريا، وحتى ضرب مواقع مهمة في عمق فلسطين.

هناك أمة تقاوم وتمضي بنهوضها إلى الأمام على رغم تكاليف التضحيات لتحقيق النهوض، وهناك حكّام يُفترض أنهم عرب، وما هم بعرب، ينحازون إلى أعداء نهوض الأمة واقتلاع الكيان الصهيوني من قلب الوطن العربي، فلسطين، وإنهاء زمن الهيمنة الأميركية على وطننا العربي الكبير. وهذا هو دورنا في المساهمة في تحرر الإنسانية من التبعية والهيمنة والاستبداد. لذلك، تحارب أميركا بكّل قوتها شعبنا العربي الفلسطيني ومقاوماتنا في الوطن العربي.

والمعركة مفتوحة وخيار المقاومة العربية الواحدة من جنوبي لبنان إلى اليمن عبر العراق.. وقلبها المقاومة العربية الفلسطينية. وكلّها تقاوم معا وتقدّم الشهداء في طريق تحرير القدس التي ستُحرر مهما امتدّ الطريق وازداد صعوبة.

 

رشاد أبو شاور ـ الميادين

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل