أقلام الثبات
لم تنجح المفاوضات المتعثّرة حتى الان بالتوصّل الى اقرار هدنة في غزّة، فيما تعلو لغة التفاوض بالنّار في ميادين غزّة بموازاة تصعيد مماثل في الجبهات المساندة بدءا من اليمن، مرورا بالعراق، وصولا الى لبنان، حيث تشخص الأنظار الى مآل المواجهات المستعرة جنوبا وبشكل تصاعديّ بين "اسرائيل" وحزب الله، والخشية من انزلاقها في ايّ لحظة الى حرب شاملة في المنطقة، وسط معطيات امنيّة حذّرت من "عمل اسرائيلي ما" تجاه لبنان خصوصا بعد زيارة الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين الاخيرة الى بيروت، والتي استُبقت برسالة اميركية ساخنة الى لبنان مُرّرت عبر شبكة " سي ان ان"، مفادها "انّ اسرائيل ستشنّ هجوما برّيا في جنوب لبنان نهاية الربيع او بداية الصّيف، تبعتها صحيفة "فورين بوليسي" الاميركية في ترجيح هذا الهجوم في نفس التوقيت!.
..هذا قبل ان تذكر صحيفة "ذي ناشنال" الإماراتية بدورها -نقلا عن مصادرها كما قالت، "انّ اسرائيل اعدّت خطّة لحرب محتملة في جنوب لبنان، تهدف الى دفع حزب الله من المناطق الحدودبة 10 او 15 كلم من دون إغفالها انّ الحزب مستعدّ لكافّة السيناريوهات.. لكن، لحزب الله رأيٌ آخر!
الحزب الذي يلتزم حتى الان بكل الضوابط والسّقوف في المواجهات الدائرة كيلا يكون بنظر العالم هو المبادر الى حرب شاملة يتحمّل وزرها وتداعياتها خصوصا على لبنان، الا انه سيذهب اليها اذا فٌرضت عليه "من دون سقوف وضوابط" –كما قال امينه العام السيّد حسن نصرالله.. وهنا ستكون الطّامة الكبرى، بل الكارثة على "اسرائيل التي تجهل المخفيّ الأعظم" في حوزة حزب الله"- وفق ما مرّره مسؤول روسي "رفيع المستوى" الى السفيرة "الاسرائيلية" في موسكو!
فما يخفيه حزبُ الله لا يتعلّق حصرا بمنظومة الدفاع الجوّي، اذ تتقاطع معلومات اكثر من مصدر غربي واوكراني، حيال اسلحة ومنظومات صاروخية غربية متطورة تمّ بيعها في السوق الاوكرانية السّوداء، وباتت في حوزة الحزب.. بل ابعد من ذلك، اُضيف الى ترسانته "مكافآت صاروخية" حصل عليها من موسكو في اوج الحرب السورية، "ومقابل دوره في تحرير اسرى روس-بينهم طيّار وقعوا في قبضة احدى التنظيمات الجهاديّة".. وبالتالي، ما صرّح به كبير الباحثين الرّوس في مركز دراسة السياسات والتكنولوجيا يوري ليامين، كان كلاما في غاية الدّقة، حيث حذّر من مغبّة شن "اسرائيل" حربا على لبنان، قائلا" عندما سيكون قتال حزب الله بلا سقوف وضوابط-كما اعلن امينه العام، فإنّ اسرائيل ستتلقّى قصفا اكثر ضخامة بل حتى ستتجاوز ضربات صواريخ الحزب التدميرية في جميع انحاء "اسرائيل" ما ستُسببه الاخيرة في لبنان".
.. ونقلا عن الصحفي "الاسرائيلي" اوهاد حمو-والذي يُعدّ أحد اشهر المراسلينفي "اسرائيل"، فإنّ ما يخفيه حزب الله من قدرات جوّية وبحرية لطالما اقلقالمسؤولين في القيادتين السياسية والأمنية، " ولربما ستواجه "اسرائيل"مفاجآت مدوّية عند اندلاع الحرب الشاملة مع حزب الله.. حتى ابعد مما تُقدّره اجهزة الإستخبارات الاسرائيلية"!.. هي نفسها اجهزة الاستخبارات التي لم تلتقط اي اشارة مما كانت تجهّزه "حماس" على مدى شهور وربما اعوام للعملية-الزلزال التي هزّت اركان الكيان يوم 7 اكتوبر الماضي وكادت تجرفه الى القعر لولا مسارعة الولايات المتحدة الى مدّها بحبل الإنقاذ قبل غرقه المحتّم.. وهي نفسها التي لم تستطع حتى الان من سبر أغوار ترسانة حزب الله وما تخبئه للحظة الحرب الكبرى.. هذا عدا دور الأنفاق الذي جُهّز لهذه اللحظة، "والتي يُقدَّر انها تصل الى اسرائيل.. وربما ابعد من ذلك- بحسب ما اورده تقرير لصحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، والذي ذكر "انّالشبكة العسكرية التي بناها حزبُ الله تحت الارض اكثر تطوّرا من انفاق "حماس" ويبلغ طولها مئات الكيلومترات، وستشكّل كابوسا للإسرائيليين- وفق اشارتها.
رغم السرّية الكاملة التي تحيط بمنظومة حزب الله الجوّية، الا انه آثر "تمرير" رسالة ساخنة الى تل ابيب يوم 26 شباط الماضي، عبر"اصطياد" طائرة "هيرمز 450 "بدون طيّار المتطورة بصاروخ ارض-جو، وإسقاطها فوق منطقة اقليم التفاح.. ضربة اصابت تل ابيب بمقتل، فإذا كانت "اسرائيل" تعوّل على سلاحها الجوّي في كلّ حروبها ووضعت "كل بيضها" في سلّة هذا السلاح حصرا على حساب كتائبها البرّية وغيرها، واصبح "تفوّقها الجوّي" مهدّدا.. على ماذا ستعوّل اذن في اي حرب تنوي شنّها.. خصوصا ضدّ حزب الله؟.. وسيّما انّ خبراء ومحلّلون عسكريون "اسرائيليون" –وبناء على تحذير من الاستخبارات الألمانية، رجّحوا ان يأتِ الدور بأي لحظة على مسيّرات متطورة اخرى، بينها طائرة "ايتان" او "هيرون TP"- وهي التي يتمّ عبرها تنفيذ معظم عمليّات الإغتيال "الإسرائيلية" في لبنان.
اما التهويل بعملية اجتياح بري في جنوب لبنان- وهو ما المح اليه الموفدالرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين خلال لقائه المسؤولين اللبنانيين، فقدتلقف –ومن خلفه "اسرائيل"- نتيجة عمليّتَي التسلّل التي نفّذتهما قوّة"اسرائيلية" منذ يومين في وادي قطمون-مقابل بلدتَي رميش ورامية وتمّ اختيار تلك النقطة نظرا لأنها منطقة حرجيّة بامتياز.. ليفاجأ عديد القوّة بغزارة نيران هائلة عبر الاسلحة الصاروخية والعبوات الناسفة، ما اضطرّهم للتراجع السريع، خصوصا بعد رصد ثلّة من المقاومين تتقدّم نحوهم!
.. ثمّة معلومات لم تستبعد ان يكون هدف عمليّتَي التسلل هو أسر عناصر من حزب الله- لحصد "انجاز اسرائيلي كبير" من خلاله.. الا انّ النتيجة كادت تكون كارثيّة على القوة المتسلّلة..تسريبات "اسرائيلية" –نقلا عن المحلل العسكري في صحيفة" هآرتس" عاموس هرئيل، حذّرت من انّ مقاتلي حزب الله- "الذين يتموضعون في كل مكان على مقربة من الحدود وبعيدا عنها"، لن يكون صعبا عليهم أسر جنود لنا في اي محاولة تسلل اخرى".
اما وأن "التصعيد بالتصعيد"- كما اعلن السيد حسن نصرالله في اواخر خطاباته، فيبدو جليّا انّ هذه القاعدة ستُعمّم على باقي جبهات الإسناد ربطا بما يجري في غزّة- خصوصا اذا ما حاول بنيامين نتنياهو الذهاب نحو اجتياح رفح.. بعد توعُّد السيّد عبد الملك الحوثي-زعيم حركة" انصار الله" –من يعنيهم الأمر، ب"مفاجآت لا يتوقعها الأعداء، وستفوق ما يتصوّره العدوّ والصديق"، جاءت اولى تلك المفاجآت بضربة "من العيار الثقيل" عبر استهداف السفينة الاميركية "ترو كونفيدنس" في خليج عدن بصاروخ باليستي افضى الى مصرع 3 قتلى و4 مصابين على الأقل- وفق إقرار القيادة المركزية الاميركية في بيان لها امس الاربعاء..
.. وفيما يستبعد مسؤولون دبلوماسيون مبادرة "اسرائيل" الى مغامرة ضدّ حزب الله في لبنان خشية فتح الأبواب امام حرب شاملة بلا ضوابط وسقوف، الا انّ التصعيد في الجبهات المساندة ضدّ "اسرائيل" والولايات المتحدة قد تزداد وتيرته ربطا بمآل تطورات غزة، وسط ترجيح ضربات لاحقة لحركة انصار الله في المرمى الأميركي، قد تكون هذه المرّة "اكثر ايلاما" –وفق اشارة خبراء في الشؤون الأمنية.