أقلام الثبات
تطوي حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني شهرها الخامس, مع رفع وتيرة القتل المباشر وعن سابق تصور وتصميم، من جيش لا يتمتع بأدنى المقومات الأخلاقية, وصاحب سجل حافل بالسواد, ولا يتسع أي سجل في العالم لتعداد الجرائم الموصوفة التي يرتكبها في وضح النهار وامام مرأى العالم كله, ومباشرة على الهواء.
ليست الجرائم الأخيرة, مثل مذبحة دوار النابلسي في غزة للذين طلب منهم التجمع لاستلام المساعدات الغذائية الشحيحة, في شارع الرشيد بغزة, او الذين كانوا يلتحفون خيمة ويتحلقون حولها قرب المستشفى الاماراتي في رفح, الذين استهدفوا بالرصاص المباشر على رؤوسهم, سوى شواهد يغض الطرف عنها من ابوات انتاج الإرهاب ولا سيما الولايات المتحدة, التي تحث قادتها عن روايتين لعميات الاجرام للتهرب من الإشارة الى الجاني وهو جيش الاحتلال والذي اعلن احد قياداته بوقاحة ان ما حدث سيتكرر اذا لم تكن هناك جهة صالحة لتسلم المساعدات, أي المطلوب عملاء "لإسرائيل" لإدارة العملية.
لقد جمع جيش الاحتلال, الذي ترعاه جيوش الغرب, وفي المقدمة جيوش الولايات المتحدة الأميركية, وحده دون غيره كل المصطلحات المعبرة عن الاجرام بلا حدود مثل الفاشية والنازية والعنصرية وعصابات الاجرام المنظم وغير المنظم الى جانب العنصرية المطلقة المنفلتة من كل القوانين, والأخلاق, والإنسانية .والخارجة عن الشرف العسكري, المانع بشدة للاستهداف المباشر للأطفال والنساء والعزل.
لم يكن شذاذ الآفاق أولئك ليقدموا على افعالهم الشنيعة التي تندى منها الضواري والكواسر الجائعة, لولا الإحاطة والرعاية من الغرب, وفي المقدمة صناع الجريمة في واشنطن, والمنافقون, المتوهمون, الجالسون على عروش بلاد "العرب اوطاني", وهم مطأطؤو الراس، ويدركون فعلا ما يفعلون, في أجواء الخواء والعدمية المستسلمة.
لقد ضج العالم في مسيرات ضد حرب الإبادة والجرائم بحق الإنسانية ضد الكيان المغتصب, من الولايات المتحدة الى بريطانيا الى دول أوروبية, رغماً عن السلطات القائمة في سياق حركة الوعي ضد التنميط في الغرب والتحرر من الدعاية الكاذبة, بينما الحكام العرب يمنعون على شعوبهم التعبير عما في دواخلهم من وجع على فلسطين.
يقول دبلوماسي غربي يقر بسقوط الدعاية "الإسرائيلية": كيف للحكام العرب, ان يمنعوا شعوبهم من الخروج في تجمعات أو مسيرات دون الحصول على ترخيص من الجهات المعنية, ويعتبرون ان نصرة فلسطين وشعبها المقتول يوميا, يشكل خرقا للقانون ويعرض للمساءلة القانونية، حقا اتهم لم يعودوا قادرين على فرض إرادتهم الا على شعوبهم بالتخدير والقوة.!
لا يتورع الدبلوماسي عن اتهام غالبية الحكام العرب مباشرة بأنهم فرادى حلقات في منظومة طمس وتدمير القضية الفلسطينية, وإبراز المخاوف الزائفة على الشعب الفلسطيني وهم يحاضرون في العفاف, سيما أن بأيديهم كثير من الأوراق القادرين على استعادتها من مخازنهم, ما داموا غير قادرين, ولا يريدون اعلان الحرب على عدو بلادهم وشعوبهم.
ما دام من المحال استخدام الأسلحة التي تتكدس في المخازن ووظيفتها الاستعراضات في مناسبات معينة, ولا العالم كله بات يدرك ضمور الإرادة القتالية, او خرجت من القواميس والمصطلحات ضد الاحتلال مع دخول الكرامة في بازار الغرب, فهناك إمكانية في ممارسة فن الحياء , لأنهم يملكون قدرات واسعة في فنون التمثيل على الشعوب.
في هذا الإطار يقول الدبلوماسي ان الدول العربية قادرة على التلويح بالضغط الاقتصادي والدبلوماسي, ما دامت عاجزة عن المواجهة السياسية والعسكرية, بدل ان يمدوا إسرائيل بوسائل الاستمرار, ومنها الخط البري لإمداد إسرائيل من الامارات الى السعودية الى الأردن, لإدخال البضائع امنة الى تل ابيب والمستوطنات.
بات واضحا ان الاقدام على فضيلة العودة عن الخطايا غير وارد, فالجرأة مفقودة, لان التورط أكبر من ان يسمح على الانتفاض والغضب, لكن تبقى هناك فرصة ولو مؤقتة مع حلول شهر رمضان المبارك بان يكتفوا بسماع دوي مدافع الإفطار, بدل الاستمتاع بأصداء انفجارات صواريخ الطائرات وقذائف الدبابات, ويتنافسون في الإعلان عن انزالات جوية للمساعدات, والتي تسقط غالبيتها، في البحر, او في "غلاف غزة"، ولعل "الانزال" الأميركي كان الافضح سيما وانه تصدر عناوين الصحافة والوسائل الإعلامية الأميركية, اذ ان غالبية "المساعدات " ستساهم في قتل الناس كما الذخائر والأسلحة الأميركية التي تنفذ بها الجرائم.
لقد ظهرت فضيحة المساعدات المسقطة على سواحل زيكيم أي خارج القطاع, وتدل علامات الصلاحية انها منتهية منذ ت1- 2023وخصوصا ما جرى التدوين عليه انه فيتامينات, كما ان الفلسطينيين في القطاع الذين وجدوا عينات من المساعدات تبين لهم انها غير صالحة للاستخدام البشري, وهي مرفوضة أصلا من طرف شريك في الجرائم. يحاول تبييض مسار لكن فعلته كمن يغسل الفحم بالماء.
لقد دخلت الحرب شهرها السادس وقد فشل جيش الاحتلال في تحقيق أي من أهدافه, كما ان المقاومة في غزة وفي لبنان واليمن, افشلت كل الخطط العسكرية والسياسية قبل ان تستخدم كل ما لديها, وهذا المحور يدرك كما يدرك قادة الكيان ان الحرب القائمة, مفصلية بالنسبة لوجود الكيان خصوصا, ولبقاء الاحتلال الأميركي في المنطقة عموما, ليس فقط على وجود القواعد العسكرية فقط في بعض الدول, وانما أيضا من خلال الهيمنة على سلطات دول, ولذلك فلا ينخدعن أحد بان الحرب قد تضع اوزارها, او ان هذه الجولة نهائية أقصر اجالها ام طالت.
في الواقع لقد اثبتت التحركات الأميركية والأوروبية والعربية بشكل عام انها لا تقترب من الجدية للوصول حتى الى وقف مؤقت للجرائم والتدمير, ومن المعيب السياسي, ان يكون الرهان على المستوطنين بوقف الحرب, تحت أي مسمى, فالمستوطنون بغالبيتهم يدركون ان انهاء الحرب الان لا يطيح فقط برئيس حكومتهم, ومثوله امام المحاكم, وانما ما يتقرر هو مستقبل الوجود, ولذلك فان الاميركيين والأوروبيين غير جادين ابدا في وقف الحرب من دون ان يعطى نتنياهو صورة نصر, لن يحوزه ,والا كانت واشنطن بإشارة واحدة أوقفت المجازر, بالامتناع على فرض فيتو في مجلس الامن على أي قرار, او انها أوقفت الجسور الجوية في نقل الذخائر والأسلحة والاعتدة, لتأمين استمرارية الحرب والقتل.
ولذلك, يعتقد ساسة الولايات المتحدة, المهجوسون أيضا, بالانتقال الى الشرق الاسيوي والتركيز على روسيا والصين, ان هدفهم هناك لن يتحقق, ما دام محور المقاومة يتعاظم, وقاعدته فلسطين، وبالتالي, لا الولايات المتحدة ولا حلفائها, قادرون على الخروج من الرمال المتحركة, ما يعقد مسارهم السياسي, والعسكري, قبل اعلان الهزيمة الاتية بلا ريب.
الحرب في سياق آخَر ــ يونس عودة
الأربعاء 06 آذار , 2024 12:48 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة