أقلام الثبات
تقع الأغلبية في دائرة الالتباس والتضليل بالتعامل مع الكيان "الاسرائيلي" على انه دولة وفق التعريف القانوني العام، ويتم التعامل معها على هذا الاساس، سواء بالسلام والتطبيع او الحرب، مما يوقع كلا الطرفين المسالم والمقاوم في خطأ بناء الموقف.
والالتباس الثاني الذي يقع فيه الجميع ايضا هو ان "اسرائيل" تملك قرارها، اي ان القيادة السياسية "الإسرائيلية" هي التي تأخذ قرار "اسرائيل"، لكن في الحقيقة إن القرار "الاسرائيلي" هو قرار خارجي نتاج تحالف (بريطاني - اميركي) عميق، والأكثر دقة ان القرار يصدر عن الحكومة الماسونية الصهيونية او ما يعرف بالحكومة العالمية.
الكيان "الاسرائيلي" هو المشروع الاستعماري متعدد المحاور، والذي بدأ التفكير فيه وتنفيذه منذ الحرب العالمية الاولى وتم تأسيسه رسمياً بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ويمثل القاعدة الاستعمارية المشتركة للغرب، لتأمين المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية، مع دور اضافي هو تهديم الديانتين المسيحية والإسلامية، وقد استطاع هذا المشروع الاستعماري النجاح منذ تأسيسه مع بعض الصفعات اللحظية التي تلقاها.. لكنه استمر بالتوسّع واخر خطوات نجاحه التي لم تكتمل بعد، لكن استطاع اعلانها هي "الديانة الإبراهيمية" كبديل عن الاسلام والمسيحية، واذا ما نجح هذا المشروع فانه يكون قد أنجز عمليه تدمير وتفكيك الركائز والروابط العقائدية التي تعتقد بها شعوب هذه المنطقة بعد نجاحه، بتسخيف وتفكيك الانتماء القومي، ثم تسخيف الانتماء الوطني بالمناطقية، وتلويث للفكر الاسلامي بما يعرف بالسلفية التكفيرية، على نوعيها السلفية التكفيرية "السلمية" التي تجتاح العقول والمساجد ومراكز الدراسات، وتنفذ مهمتها في تطويع النص القرآني وتحريفه، وتطويع الحديث النبوي وتحريفه وتأويله بما يخدم المشروع الاستعماري، بالتلازم مع اصدار الفتاوى التي تخدم المشروع الاستعماري، وتكفّر من يقاومه، سواء كان كاتبا او اعلاميا او رجل دين او رجل سياسة او مقاوما عسكريا.. والسلفية التكفيرية المسلحة.
ان حصر المواجهة مع هذا المشروع الاستعماري الأخطبوطي بالمقاومة العسكرية سيؤدي الى هزيمة هذه الحركات المقاومة إذا بقيت وحيدة واحادية المواجهة.
لابد من مواجهة هذا والمشروع الاستعماري العالمي بصياغة مشروع عالمي مواجه وان لم يكن هناك إمكانية، لتحقيق هذا المشروع العالمي المضاد، فعلى الاقل بداية تأسيس مشروع وطني واقليمي للمواجهة، ودعوة وفسح المجال امام كل المناهضين لهذا المشروع الاستعماري على اختلاف انتماءاتهم السياسية والعقائدية المسيحية والإسلامية وكل المثقفين والإعلاميين والاقتصادييين، لتأسيس مشروع سياسي واقتصادي واعلامي وثقافي يواجه هذا المشروع الاستعماري.
اذا كان البعض يعتقد انه يقاتل اسرائيل كدولة فانه سيقع في الخطأ القاتل، "فاسرائيل" هي الجبهة التي يقاتلنا من خلالها العالم الغربي بقيادة امريكا ولن يسمح هذا العالم الغربي بهزيمة اسرائيل او زوالها، لما تمثله من حارس للمصالح الغربية ولذا علينا ان لا نتعامل مع عدد الجيش الاسرائيلي او طائراته او قدراته التكنولوجية او التجسسية، بل التعامل مع الجيش "الاسرائيلي" وقدراته انها قدرات "الناتو" وقدرات العرب المطبّعين وقدرات تركيا يضاف اليها "المارينز التكفيري" وربما نصل الى نسخة جديدة منهم (الألوية الإسلامية في الجيش الامريكي) بديلا عن الجماعات التكفيرية، وعلينا ان نخوض المعركة على هذا الاساس.
ان ما نقوله ليس تثبيطاً او تهويناً، بل محاولة لإعادة تصويب المواقف، ودعوة الجميع الى الواقعية والموضوعية، وعدم انقيادهم للرغبات والامنيات او بعض الاحلام حتى لا نقع في سوء التقدير ودفع الأثمان التي لا يمكن تعويضها الا بعد عقود...
المعركة طويلة وقاسية، ونقطة تحوّل في الصراع العربي - "الاسرائيلي"، ولا بد من التعامل معها على هذا المستوى الاستراتيجي.
مع ثوابت ومبادئ لا نقاش فيها، وهي عدم الاستسلام وعدم التنازل عن الحقوق، وعدم التطبيع، وعدم ترك السلاح، ومنع اللجوء الى الحياد، بل إعادة تقييم الموقف وبناء المشروع الاستراتيجي والمرحلي لمواجهة هذا المشروع الاستعماري، بعيداً عن الانفعال او الشعبوية او الاستدراج لمعركة لا تتناسب مع الزمان والمكان، وتهدد الوجود.