أقلام الثبات
استطاعت اميركا القضاء على صدام حسين الذي ورّطته ي حربه ضد إيران، وشجعته على غزو الكويت، ثم حاصرته بالتجويع والحصار بما عرف "النفط مقابل الغذاء"، وصولا إلى إسقاطه بالغزو.
يكرّر الاميركيون "تجربة" العراق في غزة بعد "طوفان الأقصى" الذي قامت به حركة "حماس"، حيث تطرح اميركا مبدا مبادلة "سلطة حماس وسلاحها.. مقابل الغذاء" لما تبقى من اهل غزة.
نجح الاميركيون بالتعاون مع "اسرائيل" والعرب المطبّعين وتركيا في محاولة اجهاض انتصارات المقاومة الاستثنائية في غزة، وبعد صمود اعجازي واستثنائي لمدة خمسة أشهر، قابلة للتمديد، لان الظروف التي سمحت بهذا التوحش لا زالت قائمة ولم تتبدل، بل تراجع التضامن والدعم العالمي لأهالي غزة بعد قرارات محكمة العدل الدولية الضعيفة، والتي لم يتم صرفها ميدانياً.
بالتوازي مع مفاوضات الهدنة المؤقتة المتنقلة بين قطر ومصر وباريس بقياده اميركا يجري خلف الكواليس ترتيب البيت الفلسطيني سياسيا الذي أطلقت عليه أميركا "اليوم التالي"، ومن عناوينه الرئيسة:
- إلغاء حكومة حماس في غزة، وبالتالي تجريدها من السلطة، مع تسليمها لحكومة السلطة الفلسطينية.
- انضمام حماس الى منظمة التحرير الفلسطينية مع الالتزام بكل اتفاقاتها بما فيها "الاعتراف" بدولة "اسرائيل".
- تشكيل حكومة من "الخبراء"بمشاركة حماس ..وتكون سلطتها على الضفة وغزة
- تجريد المقاومة من السلاح، لأن الامن سيكون بعهدة السلطة الفلسطينية الحاكمة للضفة وغزة، والملتزمة ببنود اتفاقيات" أوسلو" مع العدو الصهيوني، الذي يحدّد نوعها وكميات السلاح.
- إبعاد حماس وبقية قوى المقاومة عن ادارة اعمار غزة، وكذلك توزيع المساعدات على الغذائية والدوائية.
-حصر المفاوضات المتعلقة بالهدنة بالأمور الإنسانية المقيدة والمشروطة، سواء لجهة المساعدات وكمياتها وتأمين خيم وبيوت جاهزة للناجحين.
- إطلاق عدد من الاسرى وليس تبييض السجون.
- السماح بعودة النازحين الى الشمال لكن دون الرجال الذين يدخلون سن الخدمة العسكري.
- ابعاد قيادة حماس العسكرية عن المفاوضات وفك الارتباط مع محور المقاومة وإيران.
إن حصر كل المفاوضات، بمطالب معيشية وإنسانية محدودة، لإظهار فشل المقاومة في عملياتها والعمل اعلاميا داخل الجمهور الفلسطيني في غزة، لإقناعه ،بان ثمن هذه المغامرة العسكرية مبادلة ما بنته غزة خلال 70 عاما ببعض الطحين والخيام، مما سيسهل على العدو "الاسرائيلي"، وكذلك السلطة الفلسطينية وتغلغل المال العربي للقضاء على ما تبقى من حماس حتى سياسياً ومدنياً!
ما انجزته المقاومة في غزه كان يمكن ان يمثل بارقة امل وخطوة ميدانية متقدمة على طريق تحرير فلسطين او على الاقل اقامة الدولتين كخطوة اولى لولا التآمر العربي والخذلان العربي الذي اجهض كل هذه الانتصارات وسلب من الفلسطينيين بعض الاوراق التي كانوا قد جمعوها سابقا وتحاول اميركا ان تكرر التجربة العراقية في فلسطين في غزة، واذا نجحت في غزه ستنقل التجربة الى لبنان، والذي بدأت بحصاره منذ خمس سنوات تحت عنوان استراتيجية القصف الصف العسكري والصفع الاقتصادي لزعزعة الامن الاجتماعي والسياسي (كما هو حاصل الان) وتهدف اميركا للقضاء على المقاومة في لبنان ثم اليمن لقطع ما تسميه امريكا "اذرع ايران" في المنطقة وبعدها تنتقل الى الساحة الإيرانية داخليا وعلى حدودها الخارجية لإنهاء مشروع التمرد الذي قادته ايران بعد انتصار الثورة الإسلامية واعادة الامساك بالمنطقة!
المشروع الاميركي يتقدم ولا ينحصر بغزة وعلى محور المقاومة وقواه ان تعمل على تعديل استراتيجية المواجهة وتوسعة اطرافها على المستوى الاقليمي والدولي، لان المشروع الامريكي متعدد المحاور والوسائط والوسائل ولا يمكن مواجهته احاديا على مستوى الاطراف او احاديا على مستواه المواجهة العسكرية.
ان اي مقاومه لا تحصّن نفسها على مستوى الاقتصاد والغذاء والدواء، لا يمكنها الصمود مهما كانت تمتلك من قوة عسكرية
المقاومة في غزة ابدعت على المستوى العسكري، لكنها اضطرت للتنازل بسبب الغدر العربي وحصارها الاقتصادي، فالمقاتل الفلسطيني يستطيع الصمود أشهرا قادمة، لكن اطفاله واهله لم يعد باستطاعتهم الصمود وهم الذي تحملوا 150 يوما من القصف والجوع والمرض والعطش!
مع كل بندقية وصاروخ.. لابد من زراعه حقل القمح وبناء مصنع دواء حتى تحقق الانتصار !
فالحصار الاقتصادي الذي اقامه الكفار على الرسول الاكرم(ص) في شعاب مكة اضطره للهجرة للمدينة لنشر الإسلام.. وليعود فاتحا لمكة، ويعلن انتصاره.
لعن الله من خذل غزة وأهلها.. والتحية لمن ناصَرها.
غزة.. السلطة والسلاح مقابل الغذاء ــ د. نسيب حطيط
الثلاثاء 27 شباط , 2024 11:23 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة