أقلام الثبات
بدا "بيت الوسط" خلال وجود الرئيس سعد الحريري في لبنان لإحياء ذكرى اغتيال والده، وكأنه مرصد الاصطفافات الجديدة للطبقة السياسية التي كانت يوماً مُنشطرة بين 8 و14 آذار، وتبدو حالياً وكأنها مُصابة بقنابل انشطارية، والبحث عن شظاياها لا يُجدي، لأن الترميم أكثر كلفة من تصنيع طبقة جديدة، فيما لا الترميم مُتاح، ولا التصنيع مسموح، حتى ولو اجتمعت قارات العالم الخمس وليس فقط اللجنة الخماسية.
وبصرف النظر عن الجماعات والأفراد الذين نالوا حظوة الاستقبال في بيت الوسط، أو الذين طلبوا الزيارة ولم يستقبلهم زعيم "المستقبل"، فإن اللافت أن البعض انتظروا طويلاً حتى وصلوا الى الداخل كما حصل مع نواب "القوات"، والبعض جلس إلى "مائدة الخبز والملح"، كالوزير السابق سليمان فرنجية، والطبق الرئيسي هو حتماً رئاسة الجمهورية، و"التحلاية" رئاسة الحكومة، ولكن، لا اللجنة الخماسية بات طبق الرئاسة جاهزاً في مطبخها، ولا التحلاية جاهزة، لأن "التمر السعودي" لم ينضج بعد، لكن الفكرة الناضجة منذ بشارة الخوري ورياض الصلح أنه يجب أن يكون رئيس الحكومة هو الشخص الأقوى بين طائفته، بمعزل عن القوة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية في طائفته، وفرنجية بالنسبة للحريري "مُطابق للمواصفات".
ومكتب الاستقبال في بيت الوسط لم تقتصر مهامه على إدخال الزوار وتوديعهم، ولا تلقِّي طلبات المواعيد التي بعضها لم يلقَ ترحيباً، بل كان يتابع أخبار الوفود التي زارت الضريح، حتى ولو لم تزُر بيت الوسط لأسباب مختلفة، كما السيد وليد جنبلاط ونجله النائب تيمور ووفد اللقاء الديمقراطي، لكن وسط كل الحركة على مدى الأسبوع، ثبتَ أن سعد الحريري لا منازع له على الإطلاق للزعامة التمثيلية السُّنية في لبنان، لا على المستوى الشعبي ولا على مستوى الحجم السياسي في السلطة، حتى ولو كان خالي الوفاض من المقعد النيابي والكتلة النيابية.
وإذا كان استقبال الحريري لفرنجية على وليمة، واستقبال سواه "على الناشف"، فلأن اللجنة الخماسية لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان لا تحمل في صولاتها وجولاتها سوى اسمين: سليمان فرنجية وجوزف عون، وتضيف إليهما عند الحاجة اسم جهاد أزعور، بما يعني أن هذه اللجنة لم تستطع ولن تستطيع إيجاد الشخصي الوسطي الذي يجمع اللبنانيين ويُجمع عليه أهل القرار، وأنها في وضع مكانك راوح على مفرق بعبدا، خصوصاً الخلاف المُتمادي بين قطر وفرنسا على المفاضلة بين جوزف عون وسليمان فرنجية.
وإذا كان تحويل اللجنة الخماسية الى سداسية بضمّ إيران للدول الخمس الأساسية: السعودية وقطر ومصر والولايات المتحدة وفرنسا، بات طرحاً قديماً لأن إيران لا ترغب إدارة أي ملف سياسي بالنيابة عن أهل البلد، فإن الجديد أن الولايات المتحدة باتت تفرض معادلة مقايضة جديدة: وقف العمليات العسكرية من جانب المقاومة في الجنوب، وتطبيق القرار 1701، مقابل "السماح" بانتخاب رئيس للجمهورية، وتمرير هذه الإملاءات على اللبنانيين يُعتبر من سابع المستحيلات في هذه الظروف.
وأمام الخلافات المسيحية - المسيحية المعروفة، ومواقف البطريرك الراعي في عظاته، والتي باتت أشبه بمناظرات أدبية لا تطرح حلولاً عملية، على الأقل لجمع القوى السياسية المسيحية على شبه قاسم مشترك في أي شأنٍ كان، فإن مفتاح باب بعبدا ليس بيد السياسيين المسيحيين ولا المسلمين ولا كل اللبنانيين، بمقدار ما أنه بات في الجنوب على متراس عند أبعد نقطة على الحدود، بصرف النظر عن مَن يؤيد المقاومة ومَن يخاصمها في الداخل اللبناني، ولذلك بات هذا المفتاح خاضعاً لقانون "قيصر الأميركي"؛ كما سواه من الأموال المنقولة والأملاك المحجوزة، ما دامت بعض القوى في لبنان محجور عليها.
وليس من الأهمية بمكان أن سليمان فرنجية قد قطع ثلاثة أرباع المسافة في ماراثون بعبدا، وأنه لغاية الآن يبتعد بأشواط عن منافسيه، وأن سعد الحريري سيلاقيه من السراي عند رفع "الحظر السعودي"، لكن ستكون النتيجة لبنانية على طريقة "بيي أقوى من بيَّك"، ولن يكون دور اللجنة الخماسية سوى الحضور والمباركة وتناول "كاسة مغلي" في بعبدا عندما يتمخض الجبل بعد كل آلام المخاض التي عاشها الشعب اللبناني.