أقلام الثبات
أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن استثمار إماراتي بنحو 35 مليار دولار لتطوير مشروع "رأس الحكمة" القريبة من مرسى مطروح، لتصبح وجهة سياحية ومنطقة حرة، وأخرى استثمارية ومساحات سكنية وتجارية وترفيهية.
رأس الحكمة هي منطقة على ساحل البحر المتوسط شمالي مصر على بعد نحو 350 كيلومتراً شمال غرب القاهرة، وهي عبارة عن نتوء أرضي يدخل إلى البحر المتوسط، وفيها شواطئ غير مستغلَّة على ساحل المتوسط، وينتشر فيها بعض القرى.
بشكل عام، تحتاج مصر بشكل كبير الى هذه الاستثمارات، والى ضخ العملات الأجنبية في اقتصادها الذي يئن تحت ضغط شديد ونقص في العملات الاجنبية، ما جعل سعر الدولار يرتفع في السوق السوداء الى أعلى مستوى، ويشكّل ضغطاً على المصريين ولقمة عيشهم.
وبالرغم من تلك الحاجة الملحة، أشار كثيرون الى أن هذه الصفقة تثير هواجس عدة، خصوصاً لأنها تأتي في خضّم الحرب على غزة، وفي ظل مطالب "إسرائيلية" وضغوط خارجية على مصر لاستقبال الفلسطينيين الذين تريد "اسرائيل" تهجيرهم من قطاع غزة.
ويخشى كثيرون من أن تكون الصفقة الاستثمارية هذه هي عبارة عن اتفاقيات سياسية غير معلنة بين مصر والاميركيين، يقوم الاماراتيون بدفع ثمنها، وأن تكون هذه الاموال بديلاً عن تنازلات قدمتها مصر مقابل تعويم الاقتصاد المصري. ويشير هؤلاء الى أن مشروعاً بهذا الحجم، وفي هذه الفترة بالذات، والحديث عن ضخ 24 مليار دولار في مدى زمني قصير (شهرين) بالرغم من أن المشروع سيبدأ في عام 2025، لا بد من ان يثير تساؤلات حول الاهداف السياسية منه.
وبغض النظر عن الانتقادات السياسية الموجَّهة ضد الحكم المصري والمنتقِدة له، وعن حاجة البعض للتشكيك في السلطة السياسية في مصر، فإن مصر لا يمكن لها أن تقبل بتهجير الفلسطينيين من غزة الى أراضيها مهما بلغت قيمة المال الذي تحتاج إليه، ومهما بلغت أزمتها الاقتصادية، وذلك لأن المكاسب القصيرة الاجل مهما عظمت قيمتها تبقى صغيرة مقابل المخاطر الاستراتيجية لتهجير الفلسطينيين الى مصر كما يطمح "الاسرائيلي".
من غير المنطقي أن تقبل مصر بدفع ثمن باهظ لهذه الصفقة هو القبول بتهجير الفلسطينيين، وتحقيق هدف "اسرائيل" بالوطن البديل في سيناء، لأن هذا سيرتب مخاطر كبيرة في المنطقة ومستقبلها ومستقبل مصر، إذ يجعلها شريكة بنكبة فلسطينية جديدة، وهذا ما لا يمكن للشعب المصري القبول به.
زد على ذلك، لن يسكت الفلسطينيون عن تهجيرهم الى خارج أرضهم، ما سيجعل من مصر منطلقاً للعمليات العسكرية والمقاومة ضد "اسرائيل"، وستكون مصر أما حلّين:
- أما أن تقوم قواتها بتشكيل حرس حدود "لإسرائيل"، والقيام بقمع المقاومة الفلسطينية، وهذا أمر خطير جداً على وحدة مصر وعلى جيشها.
- أو أن تقوم مصر بغض النظر عن أعمال المقاومة من أراضيها، وهذا سيجعلها تخسر سيادتها على جزء من اراضيها، وانتهاء اتفاقية السلام مع "اسرائيل"، مع ما سيترتب على ذلك من ضغوط غربية وأميركية، وقد يؤدي الى قطع المساعدات العسكرية الاميركية، وقطع المساعدات الأوروبية، وهذا سيؤذي الاقتصاد المصري ويدخل مصر في أخطار استراتيجية وأمنية كبرى أيضاً.
"رأس الحكمة" المصري… مشروع سياسي أم اقتصادي؟ ــ د. ليلى نقولا
الإثنين 26 شباط , 2024 11:33 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة