أقلام الثبات
بعد يومين من تأكيد أكثر من وسيلة إعلامية نية الرئيس سعد الحريري تمديد إقامته في لبنان بعض الوقت، تلبية لطلبات الزيارات الكثيفة، طار الرجل الى الإمارات مساء الأحد، معتذراً وواعداً بلقاء المنتظرين في زيارة لاحقة، ولا لزوم لتحليل سبب قرار المغادرة المفاجئ، علماً بأن "الاستدعاء" على الطريقة الخليجية ممكن، كي لا يتخطى حدود إحياء ذكرى والده، و"خارطة طريق" زيارته.
ولسنا بوارد لوم الرئيس سعد الحريري في استمرار تعليق العمل السياسي، لأن الرجل - من وجهة نظره - أدى ما استطاع فعله، ولم يتمكن من تحقيق ما يصبو إليه على المستوى الوطني، لكن مشكلته، بل مشكلة لبنان معه، أنه يُمكنه العودة إلى الساحة - متى سُمِح له خليجياً - لكن ليس لحلّ الأزمات، بل لإدارة التعهدات، لأن الحريرية اليوم ليس لها وزن الماضي، وأقصى ما يمكن أن تحققه لو عاد الحريري يوماً، أن بعض الشارع السُّني سيغادر "دار الأيتام".
وإذ انتقد الحريري التطرف السياسي الحاصل في لبنان، هو الوسطي الذي لا ينسجم مع نفس الطبقة التي كانت موجودة عندما علَّق عمله السياسي منذ سنتين وغادر الى الإمارات، فإنه أثبت أنه ينتمي إلى نفس الطبقة عندما صرَّح: أنه من غير المسموح المساس بالمحسوبين عليه في دوائر الدولة ومؤسساتها!
ولم يعُد مهماً ما قاله الحريري خلال وجوده في بيروت، كقوله خلال استقباله وفداً من قطاع الشباب والطلاب في "تيار المستقبل"، إن "المرحلة التي يمر بها لبنان حالياً ترقى إلى كونها مرحلة جنون سياسي، حيث كل طرف يعتقد نفسه أكبر من بلده ويتشبث بمواقفه السياسية"، ولا من الأهمية ما قاله كبار زواره إن عودته حتمية لإعادة التوازن الوطني، لأن الطائفة السنية كانت عبر تاريخها ولَّادة كبار، ولا يجوز لحالة الرئيس الراحل رفيق الحريري التي أقصَت الشخصيات السنية أن تنسحب على نجله سعد، لأن التفاعل الوطني لحل الأزمات يختلف عن فكر الشراكة التجارية وتلزيم التعهدات.
وفي قول الرئيس الحريري: "لو بقيت في العمل السياسي، كنت سأكون مضطراً لأفاوض من جديد وأقوم بالتسويات وأتحملها أنا وحدي، وفي النهاية تقع على كل المسؤولية"، وهو بذلك يُلزِم نفسه بما لا يلزمه به أحد، لجهة فصل السلطات وعدم اعتبار نفسه أكبر من البلد.
كل الكلام الذي اعتاد اللبنانيون سماعه يُلاك بأفواه السياسيين مدى سنوات، تمً تكراره كتصريحات مباشرة أو تغريدات عند خروج الزائرين من بيت الوسط، وقد يكون بيان وفد مخاتير بيروت، عبَّر ببساطة وصراحة أكثر من كبار أهل السياسة حول ما يراه في الواقع الرمادي لعودة الرئيس الحريري، وجاء فيه: "اجتمعنا اليوم في بيت الحبيب، بيت بيروتي أصيل، بيت دولة الرئيس سعد الحريري، وتداولنا في الشأن البيروتي خاصة واللبناني عامة، وقد نقلنا له كم اشتاقت له بيروت واشتاق له اللبنانيون، كما تداولنا في موضوع عودته من عدمها، وهو أكد لنا أن همه الوحيد هو لبنان وإعماره، وإن شاء الله سيعود حين تصبح الأمور سليمة، وأولويته انتخاب رئيس للجمهورية".
ومن تصريح وفد المخاتير، ننتقل الى انتخاب رئيس للجمهورية، سيما أن الرئيس الحريري استقبل المرشَّحَين الأبرزين، العماد جوزف عون، والوزير السابق سليمان فرنجية، حيث كانت مع الأخير "مأدبة خبز وملح"، مع تزامن الحديث الإعلامي في مقلبٍ آخر عن أن "المقاومة سوف تأتي بالرئيس الذي تريده إذا انتصرت في المواجهة مع "إسرائيل" كتتويجٍ للنصر، أو تنال الأمر كجائزة ترضية في حال هزيمتها"، لكن المقاومة لم تخُض الحرب الفعلية بعد، وستنتصر حكماً، عندما تنهمر الصواريخ على مساحة فلسطين المحتلة من كريات شمونة حتى إيلات، وتتعالى صرخات الإسرائيليين من الملاجئ طلباً لوقف النار، عندها قد يعود الحريري الى السراي، إذا لم تستولد الطائفة الكريمة سواه، وله السجاد الأحمر لو احترم بمواقفه "أحمر الشهادة"، ويجلس على كرسي السراي بمفرش من حرير.