أقلام الثبات
يقع الكثيرون من المحبين والانصار للمقاومة في فخ مطالبتها بإعلان وتوسعة الحرب لإحداث الخسائر عند العدو، وذلك من منطلق الرد، وثأراً لما يقوم به العدو من قتل وظلم وعدوان، وكتعويض معنوي عن تاريخ الهزائم التي عاشوها منذ احتلال فلسطين ووجدوا أنفسهم في لحظة الاقتدار التي يستطيعون توجيه الصفعات، او من موقع الندّية بالرد، ويفرحون بأنهم لم يبقوا وحدهم المقتولين وليسوا وحدهم الخائفين او المهجّرين بل وصلوا من امتلاك القوة بأن يفعلوا بالعدو ما فعل.. ويفعل بهم..
ومنعا للالتباس لابد من التوضيح لهؤلاء الأحبة والاصدقاء ان المقاومة تعمل من باب "الحكم الشرعي" المُقيّد لسلوكياتها ولقراراتها وليست حرّة في اعلان "الجهاد" والقتال بعناوينه العامة، فهي مقيّدة بالنص القرآني والنبوي والامامي واجتهاد الفقهاء في هذا العصر، ومقيّدة ايضا بعنوان عام بتحديد أسس واهداف القتال الذي يستجلب الثواب والرضا الالهي، وهو القتال في "سبيل الله" وفي طاعته ووفق احكامه وشروطه وممنوعاته... فاذا تجاوز الفرد او الجماعة المجاهدة او المقاومة هذه الشروط والاحكام خرجوا من دائرة الجهاد في سبيل الله الى دائرة القتال لأهداف ومصالح دنيوية وشخصية وحزبية وغيرها، وفقدوا النصر الالهي، وتحوّل المقتولين من "شهداء" في سبيل الله الى شهداء "الهدف" الذي قُتلوا من اجله، وربما كان الهدف خاطئا او مشبوها فيخسر المقتول الربح في الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.
المقاومة تقاتل من اجل رد العدوان عن اهلها ومنع القتل في صفوفهم ومنع تدمير بيوتهم او مزروعاتهم وليس بهدف قتل العدو وتدمير بيوته او قتل جنوده ومواطنيه، فالهدف الاول عند المقاومة منع الخسارة او تقليلها ضمن بيئتها بعيدا عمّا تحدثه من خسائر بشرية ومادية عند العدو، فاذا قُتل واحد من صفوفها او من اهلها واستطاعت قتل عشرة من العدو بالنسبة لها فقد خسرت واحدا ولم تربح قتل 10، الا ربح الردع حتى لا يتم تكرار الفعل وتخسر واحدا اخر او اخرين.
فإذا تأمّن الردع والترهيب للعدو {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ}، الذي يمنعه من التكرار ووفّر حماية اهلها دون الانزلاق الى الحرب فان المقاومة تختار هذا طريق لأن الأولوية حفظ حياة مجاهديها واهلها وفق حديث الأمر والإرشاد النبوي لرسول الله الأكرم (ص) وهو يطوف بالكعبة: "ما أطيبك، وأطيب ريحك! ما أعظمك، وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله، ودمه.".
ولذا فإن الحكم الشرعي الذي تلتزم المقاومة به هو البقاء في دائرة الدفاع وعدم المبادرة للهجوم وفق النهج الإسلامي في الحروب الذي يعتمد الحرب الدفاعية حتى في "كربلاء" ومع ان المعركة شبه حتمية ومع ذلك رفض الامام الحسين(ع) ان يبادر للهجوم على الجيش الذي يُحاصره ...وانتظر ليكون في معركة الدفاع مع استنفاد كل محاولات منعهم من القتال عبر خطابه المباشر له أكثر من مرة.
ولذا فان المفهوم العسكري الذي تقاتل من خلاله المقاومة لا يعتمد على ما تستطيع ان تُلحقه من خسائر في صفوف العدو او اي عمق جغرافي يمكن ان تطاله... بل على مفهوم ماذا تستطيع ان تمنع القتل عند شعبها وان تمنع اليد الإسرائيلية ان تتوغل في العمق الجغرافي داخل لبنان... فاذا ما تحقّق هذين الهدفين (منع الخسارة او تقليلها وتقليل الجغرافيا الحرب).. تكون المقاومة قد حقّقت اهدافها وانتصرت... سواء قتلت من العدو او لم تقتل ..سواء دخلت اراضي العدو او لم تدخل.. بعيدا عن الانتقادات او الظلم لها من الانصار والاصدقاء وبعيدا عن الحقد والافتراء من الخصوم والمرجفين والذين يبخسونها ما قدمت من تضحيات عبر مئات الشهداء والجرحى والتضحيات والتعب والسهر والخوف والخسائر بالبيوت والارزاق...
ولذا .. لمن ينتظر ان تبادر المقاومة لتوسعة الحرب ...فهو خاطئ وقاصر عن فهم قواعد القتال والجهاد عندها ..فستبقى في موقع الدفاع الشجاع والعاقل والحكيم.
المقاومة للدفاع عن الدين وأهله... وليس قتل العدو ــ د. نسيب حطيط
السبت 17 شباط , 2024 10:58 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة