الأنظمة المتآمرة... والشعوب الجبانة والمُسيّرة ــ د. نسيب حطيط

الأربعاء 14 شباط , 2024 11:05 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

كشفت الحرب على غزة الواقع المأساوي للشعوب العربية والإسلامية، بالتلازم مع المواقف الفاضحة والمعيبة للأنظمة العربية والإسلامية (ما عدا عدد قليل)، وإذا سلّمنا ان الأنظمة قد تم تنصيبها من قبل الإدارة الأمريكية والفرنسية والبريطانية وأنها تدين ببقائها بالحكم لهذه الحماية والرعاية، فما هو مبرّر صمت الشعوب العربية والإسلامية التي يقارب عددها المليار مسلم وعربي، عن مذبحة غزة وكأنها تعيش مقيدة ومكمومة الافواه والاقلام والحركة.
لو قارنّا المظاهرات التي قامت في الغرب ولا زالت وبين المظاهرات التي قامت في مصر مثلا او - لم تقم اصلا - وبقية الدول العربية والإسلامية، لوجدنا ان المناصرين لغزة في الغرب أكثر من المناصرين لغزة في الشرق!
عندما تم الإيعاز لهذه الشعوب العربية ان تخرج الى الشارع وتطالب بحقها في الحياة الكريمة والمطالب المعيشية والسياسية، بناء على أوامر خارجية بما سمي "الربيع العربي" انخرطت في معارك طائفية وقومية ونزلت.. بدون تردد!
تحرّك "الإسلاميون الجدد" في مصر وتونس وسوريا وليبيا ونزلوا الى الشارع واعتصموا وأسقطوا النظام، وعندما تولوا الحكم راسلوا العدو الصهيوني والتزموا باتفاقيات "كامب ديفيد" وراسلوا الرئيس "الاسرائيلي" بقولهم: "عزيزي وصديقي العظيم "... ومنعوا في دول عربية أخرى اقرار "تجريم التعامل مع إسرائيل"!
لا زالت المظاهرات في "السويداء السورية" وفي ذروة الحرب على غزة تطالب بإسقاط النظام وتعتصم في الساحات ولم تتظاهر من اجل غزة، بل ان مشايخهم واخوتهم في فلسطين يقاتلون في صفوف الجيش "الاسرائيلي" وبعض مشايخهم يؤدون الصلاة على شهداء الجيش "الإسرائيلي" الذين قاتلوا المقاومة وقتلتهم في غزة، ويسمونهم شهداء.
لم يتحرك الشعب الاردني الذي ينقسم مناصفة بين أصول فلسطينية واصول عربية واسلامية، فلم يقطع الطريق على شاحنات التموين والامداد التي تمر الى العدو بالتلازم مع الجوع في غزة، لكنها تتظاهر لتتوعد الحشد الشعبي... إذا قرر مساعدة غزة من الأردن!
أي تبرير لهذه الشعوب والاحزاب والجماعات على انها مغلوبة على امرها ،فهو تبرير مردود لو ان امريكا الان تريد تحريك هذه الشعوب ضد إيران وضد المقاومة في لبنان، لكانت هذه الملايين تحرّكت وصرخت وقاتلت بالسلاح.
لا عتاب على الأنظمة لأنها صنيعة امريكا وادواتها، لكن اين هي المؤسسات الدينية، اين هم مشايخ التكفير، ومشايخ الربيع العربي، اين المشايخ الذين يكفّرون الشيعة والمسيحيين والعلويين!
اين الذين يريدون اعادة الخلافة ولم يتوجهوا لنصرة غزة مع ان جزء من غزة قد نصرهم في سوريا وقاتل معهم، فليردوا له ما سلّفهم إياه!
لماذا قاتل التكفيريون والاسلاميون وانظمة الخليج ومصر الاحتلال السوفيتي لأفغانستان عندما أمرتهم امريكا ودفعوا المال وجمع واالرجال من كل انحاء العالم؟
وكرروا الفعل ثانية في غزوة "داعش" للعراق
وثالثة في غزو سوريا.
ورابعة في ليبيا، لكنهم لم يحتشدوا لقتال الاحتلال "الاسرائيلي" في فلسطين ورد التوحش "الإسرائيلي" عن غزة... لان امريكا تمنعهم من ذلك.
والأسوأ والاكثر واستغرابا ان تبادر هذه الشعوب التي لا تقوم بواجبها ولا تتحمل مسؤوليتها وتتهم بعض القوى والاحزاب الاقل عددا في لبنان والعراق واليمن، بالتقصير وتطالبهم بالمزيد من القتال والقصف لنصرة غزة ..وبعضهم يبرر تحالف "حماس" مع المقاومة (الشيعية) وإيران الشيعية، لأنه يجوز الاستعانة بالكافر والظالم ضد العدو وفق فقهائهم ومشايخهم.
شعوب وانظمة تقودها امريكا لتنفيذ مشاريعها ومعاركها المذهبية.. تقودها امريكا بالمكرمات المالية والفتاوى والتكفيرية والقرارات الملكية والأميرية والرئاسية.
شعوب تتكاثر عددا.. وتتضاءل كرامة وأثرا وفعلا ... شعوب ضعيفة جبانة مسيّرة، لا تريد فك قيودها وتكتفي بان تحشر نفسها في علب للسكن في المدن والضواحي وتكتفي برغيف من الخبز... لكنها لا تنتفض على انظمتها لكي تأخذ حريتها وتنصر اخوتها في فلسطين او في الدول التي تغزوها امريكا !
لكن في لحظة واحدة سرعان ما يتم ايقاظها، لتقاتل بعضها، وتكفّر بعضها.
يبدو ان هذه الشعوب تليق بها ..هذه الأنظمة الفاسدة والمتآمرة!
شعوب لا توقظها ولا تحركها مذبحة غزة ..لا تليق لها الحياة!
(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ..)


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل