أقلام الثبات
ادعت قوى الأمن الداخلي على المؤسسة اللبنانية للإرسال (LBCI)، عبر شكوى أرسلتها الى وزارة الداخلية والبلديات، على خلفية عرض القناة المذكورة حلقة من برنامج "مرحبا دولة"، وتضمنت الحلقة وفق الشكوى، الكثير من الذم والإساءة للدولة اللبنانية "عبر تحقير عَلمها ونشيدها الوطني، وتوجيه الإساءات بأسلوبٍ وضيعٍ وسوقيّ بعيد عن الوطنية والأخلاق والمهنية، وحقدًا وكراهيةً تجاه مؤسسة قوى الأمن الداخلي".
وقد أعلنت قوى الأمن استياء بعض المواطنين اللبنانيين من مدنيين وعسكريين، مما اعتبرته "أمراً مُعيباً ومُخلاً بالآداب العامة والأخلاق، ويخلو من الكرامة الوطنية ويُدمِّر آخر ما تبقى من مداميك الدولة والنظام".
نرغب بداية التذكير - إذا ما خانتنا الذاكرة - أنه التحرك الأول لقوى الأمن الداخلي لوقف برنامج تلفزيوني، ربما لأنه تعرَّض للمؤسسة بالذات، لكن عشرات البرامج قد عُرضت وما زالت تُعرض على عدد من القنوات اللبنانية، مُسيئة للوطن وللمواطن، وبعضها بلغ مستوى من الانحطاط الإنساني والأخلاقي والاجتماعي، وحتى الديني، بحيث بلغ معها ما كان يسمى "الفن اللبناني"، حضيض التفاهة والسفاهة تحت عناوين الترفيه والتسلية والفكاهة.
"مرحبا دولة"، برنامج لم يبدأ على أرض الواقع الآن، بل على الأقل منذ "17 تشرين"، والثورة التي أفرزت "نخبة الثوار"، سادها الفلتان الفاضح من كل الضوابط، عبر منابر الشتم والإهانات بحق الدولة، والطعن والنحر بحق الوطن، عبر حلقات الرقص ومشهديات كركرة الأراكيل والسِكر على أطباق "السوشي"، مِمَّن كنا ننتظر منهم أن يكونوا طليعة الانقلابيين على الفساد، وهُم بالكاد ينقلبون من رصيفٍ إلى آخر في أشنع أداء لمسرحية اغتيال وطن، بدأت من ازدراء المواطن للدولة وكل ممثليها على قاعدة "كلُّن يعني كلُّن"، وتوالت المشهديات الى حين بلوغنا حلقة "مرحبا دولة".
نعم مرحبا دولة ولكن، "نُمرحِبُ" بطريقتنا على غالبية الزعماء السياسيين، وأكثرية قادة الأحزاب، وعلى رؤوس الميليشيات دون استثناء، وعلى كل نائبٍ مسيرته جاءت علينا كما النائبة، وعلى كل وزيرٍ وخفير في هذه المزرعة، وعلى كل موظفٍ سارقٍ أو مرتشٍ أو صاحب سيرة غير نظيفة.
"نُمرحِبُ" على كل عاملٍ بالشأن العام، لا يعتبر السياسة حُسن إدارة لشؤون المجتمع والناس بنقاء وكفاءة ونزاهة، ونُمرحِب على كل الإعلام الأصفر الذي جعل كلمة رجال زمان أرخص في أيامنا من باقة الفجل في "بيعة مسا"، بوجود بضعة إعلاميين بنفس السعر وأرخص.
نُمرحِبُ لدولة بكافة أجهزتها المُقعدة الكسيحة، والعاجزة عن لملمة أبناء الشوارع، بحيث بات القبض على المعتدين على الأملاك العامة والخاصة ممنوعاً، ويتم تحرير قاطع طريق عبر قطع الطرقات، وقاطع أرزاق الناس وآكل الحرام محمياً، ومافيات النهب أقوى من الدولة.
وأخيراً، نُمرحِبُ بكل احترام على مؤسسة قوى الأمن، التي اعتبرت ما ورد في تلك الحلقة إهانة لعناصرها وللبذلة العسكرية ونسأل: مَن يرفع الإهانات المتمادية بحق الشعب اللبناني عبر أكثر من ثلاثة عقود؛ من اللقمة المغمسة بالدم، الى الأمل المفقود بالغد، الى هجرة شبابنا يأساً من الحياة الطبيعية الممنوعة؟
الجواب نعرفه مسبقاً: القضاء هو الحل لكل الاهتراء ولكن... يوم يغدو لدينا قضاء، وإلى ذلك الحين لنا إيماننا بأنفسنا وبأرضنا ولنا القضاء والقدر..