المحكمة الدولية.. والأسباب الحقيقة للمحاكمة والهزيمة ـ يونس عودة

الثلاثاء 30 كانون الثاني , 2024 10:24 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لم يكن الرهان جازما بأن تقوم محكمة العدل الدولية في لاهاي بان يصدر اي قرار او توصية أكثر مما كان، او اصدار قرار واضح بمفاعيل جدية سواء في معاقبة "اسرائيل" لارتكابها ابادة جماعية موصوفة ضد الفلسطينيين، رغم كل القرائن المتوافرة، لا بل اعطت مهلة شهر لقادة الاحتلال لتوضيب امور الجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية, والتي ستكون لاحقا بكليتها مدار البحث القانوني.
بلا شك، ان الادلة التي قدمتها دولة جنوب افريقيا غير قابلة للشك, او الدحض، سيما انها تستند في ارتكاب الجرائم الى تصريحات قادة الاحتلال بالقتل والتفاخر بالقتل، وعلى رأس هؤلاء المتبجحين بنيامين نتنياهو، واعضاء في حكومته ربطا بما كانت تقوم به الطائرات والمدافع والصواريخ وتصرفات العسكريين في الارض.

لقد تخوفت "إسرائيل" فعلاً, وللمرة الاولى من إنشائها على ارض فلسطين، من أن تصدر محكمة العدل الدولية قراراً يؤكد أنها ترتكب إبادة جماعية، ولذلك عليها وقف الحرب على غزة، وبعد صدور قرار المحكمة، الذي يفتح الطريق الى محاكمات جدية، إذا لم يستجب المحتلون الذين تتبنى مجازرهم الولايات المتحدة وتدافع بوقاحة عن الارتكابات المشينة بحق الانسانية على انها اعمال حربية وليس فيها ابادة جماعية!
لم يكن مفاجئاً ايضا الهجوم "الاسرائيلي" على المحكمة وما صدر عنها, وصولا الى تكرار المعزوفة المشروخة التي تلطت خلفها الالة السياسية والعسكرية والامنية الاعلامية للكيان, اي "معاداة السامية"، الا ان الهجوم صاحبته حملة اكاذيب لم تمر في الاصل على المحكمة، اذ قال مسؤولون سياسيون "إسرائيليون" إن "هذا قرار جيد جدا نسبيا، وربما هو الأفضل الذي بإمكاننا أن نحصل عليه، لأن جنوب أفريقيا فشلت في محاولة وقف الحرب".. وقد ادعى هؤلاء المسؤولون أن "جميع المطالب هي أمور ملتزمة إسرائيل بها أصلا، ولا يوجد هنا وقف للقتال وشيء ما يمنعنا عمليا من القيام بشيء مما نفعله، والقتال سيستمر كالمعتاد".
وزعم رئيس الحكومة "الإسرائيلية"، بنيامين نتنياهو، "الادعاء بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين ليس كاذبا فحسب، بل إنه أمر شائن، واستعداد المحكمة لمناقشته على الإطلاق وصمة عار لن تُمحى على مرّ الأجيال"، وأضاف نتنياهو: "سنواصل الحرب حتى نهزم حماس ونعيد جميع المختطفين، ونضمن أن غزة لم تعد تشكّل تهديدا لإسرائيل".
وادعى وزير الحرب، يوآف غالانت، في بيان أن "دولة إسرائيل ليست بحاجة إلى وعظ أخلاقي كي تفرق بين الإرهاب والسكان المدنيين في غزة، والمحكمة الدولية في لاهاي خانت وظيفتها عندما استجابت للطلب المعادي للسامية الذي قدمته جنوب أفريقيا بالنظر في ادعاء إبادة جماعية في غزة، وزادت الطين بلة عندما لم ترفض الدعوى".
هذا الكلام "الاسرائيلي" الممجوج لم يعد مؤثرا في غالبية العالم الذي استيقظ نسبيا اما الحقائق والوقائع التي بادرت الى حملها دولة جنوب افريقيا، وتمكنت من جلب الكيان القاتل الى منصة عدالة، ولو انها لا تكتمل الاركان المطلوبة, وهو امر مفهوم باعتبار المحكمة اصلا من نتاج الغرب، الذي طالما عمل على استخدامها لمحاكمة من يراه معاديا لمصالحه, لكن بفضل الاستفاقة العالمية بات الامر متاحاً لاستخدام الهيئات التي انشأها الغرب في سياقها العدلي الصحيح، سيما ان الغرب الذي لا يزال يرفض وقف اطلاق النار لم يعد قادرا على التواطؤ او دحض حقيقة الابادة الجماعية، الامر الذي اقر به كتاب صهاينة مرموقون في تعليقهم على الاكاذيب التي ساقها محامو الدفاع "الاسرائيليون" امام المحكمة التي أكدت  في بداية القرار اختصاصها القضائي في نظر دعوى جنوب إفريقيا ضد "إسرائيل" بارتكاب إبادة جماعية، ورفضت طلب "إسرائيل" سحب دعوى جنوب إفريقيا, وهذا هو اول مكسب من نوعه في تاريخ محكمة العدل الدولية مع كيان فار من وجه العدالة.
 لقد اشار  الكاتب "الإسرائيلي" بي مايكل الى المستوى الهائل لكذب فريق الدفاع "الإسرائيلي" أمام محكمة العدل الدولية، اذ قال في  صحيفة "هآرتس": "لو تم توصيل جهاز كشف الكذب بأحد المحامين الإسرائيليين أثناء خطاباته (امام المحكمة) لانهارت شبكة الكهرباء في لاهاي، ولبقيت المدينة في الظلام حتى يومنا هذا"، وتابع متهكما: "ولحظ إسرائيل أيضا اختارت جنوب أفريقيا لسبب غير واضح التركيز بشكل شبه كامل على ما يحدث في غزة بدلا من الحديث عما يحدث في جميع الأراضي المحتلة، غزة والضفة الغربية والقدس، لأن الأمر يتعلق بأمة واحدة يُداس أفرادها تحت أحذية نفس المحتل".
ورأى أنه "من دلائل الخبث والشر أن إسرائيل أنكرت لسنوات وجود الشعب الفلسطيني، وبذلت جهودا حثيثة لإنكار وجوده في الوعي العام والخطاب، وأصدرت قوانين لتشريع سرقة جميع ممتلكاته، حتى جعلت سرقة أراضيه عملا مقدسا، بل إن حياته صارت لعبة عادلة، لدرجة أنه أصبح بإمكان أي طفل يحمل مسدسا أن يطلق النار على الفلسطيني متى ما شاء، ويكفي أن يقول: شعرت بالتهديد.. ليتمتع بالحصانة".
ان اهم ما اسقطته محكمة العدل الدولية من خارج ما اتخذته من مقررات، يتمثل في اسقاط اهم اركان الدعاية الصهيونية - الاميركية القائمة على مقولة "معاداة السامية" من جهة, وان النظام الصهيوني يقوم في أصله على المجازر , وتغطية الجرائم بالسطوة الغربية التي تقودها اميركا على العالم, كما ان الساعين الى الحرية والاستقلال مهما كان الثمن باهظاً، هم اخلاقيون وانسانيون خلال المواجهة، وان الكراهية ليست لليهود وانما للجرائم والمجرمين.
لقد اعتبر مسؤولون "إسرائيليون" ان قرار محكمة العدل الدولية "ألحق ضررا كبيرا بصورة إسرائيل"، وهي الصورة القائمة على الاضاليل.
بالمقابل فإن سياسة الهروب الى الامام مع التمادي في الجرائم بقيت هي الناظمة للعقل الاميركي - "الاسرائيلي"، وقد اقدمت قوات الاحتلال على ارتكاب مجازر جديدة ضد المدنيين الفلسطينيين بالتوازي مع قرارات المحكمة الدولية الداعية الى وقف القتل، بحيث ذهب عشرات الضحايا بقصف جوي واضح المعالم والقرار, وبالتوازي ايضا مع صفقة سلاح اميركية جديدة للكيان تشمل عدد كبير من الطائرات الحربية المتنوعة وتزويد الجيش "الإسرائيلي" بعشرات الآلاف من مختلف أنواع الذخيرة، وسيتم تزويد "إسرائيل" بالطائرات في أقرب وقت ممكن، بما في ذلك من المخزون الذي يتملكه الجيش الأميركي.
ليس لكل ذلك سوى سبب واحد الا وهو ضياع كل أمل في وقف الهزيمة، سواء اخلاقيا, او ثقافيا او في الميدان، وهو اي الميدان الذي صنع كل الهزائم جراء الدقة المحترفة، والحكمة الاستثنائية الواسعة المدارك لمحور المقاومة الذي اخذ على عاتقه مواجهة الشر اينما كان بأخلاق وصدق واخلاص، واعداد ما استطاع من قوة، ولولا هذه الشمائل لما كانت الروافع التي ركنت اليها محكمة العدل الدولية في قبول دعوى جنوب افريقيا ووضع "اسرائيل" على القوس.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل