أقلام الثبات
أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها المبدئي في قضية جنوب أفريقيا ضد "اسرائيل" بتهمة الابادة في غزة. وبالرغم من أن المحكمة لم تأمر "اسرائيل" بوقف عدوانها على غزة فوراً، إلا أنها وضعت الأسس التي يمكن أن تستند اليها المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة المسؤولين والقادة "الاسرائيليين" بارتكاب جريمة ابادة في غزة.
ويخلط البعض من غير المختصين، بين محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية التي تنظر في قضية غزة أيضاً، ومن المهم أن نورد بعض الملاحظات في هذا الإطار:
أ- من ناحية الاستقلالية: تختلف المحكمة الجنائية الدولية عن محكمة العدل الدولية من ناحية الاستقلالية، فالأخيرة تشكّل الأداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، بينما المحكمة الجنائية الدولية هي هيئة قضائية مستقلة.
ب- من ناحية الاختصاص: محكمة العدل الدولية تختص بالفصل بالمنازعات بين الدول، بالإضافة إلى وظيفتها الإفتائية، بينما تختص المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق ومحاكمة الأفراد (مسؤولية فردية) المتهمين بارتكاب أشد الانتهاكات خطورة على الإنسانية، ومبادئ حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني.
هذا يعني أن اتهام "اسرائيل" بالإبادة في محكمة العدل الدولية يرتب تعويضات وجبر الضرر، بينما اتهام مسؤوليها بارتكاب الابادة عبر المحكمة الجنائية الدولية فيدفع المسؤولين "الاسرائيليين" الى السجن.
ت- من ناحية القانون الواجب التطبيق، بينما تطبق المحكمة الجنائية الدولية نظامها الأساسي الذي يعتبر بمثابة معاهدة دولية ملزمة للأطراف الأعضاء فقط، تطبق محكمة العدل الدولية القانون الدولي، الملزم لجميع الدول، على أعضائها وهم جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
ومن المهم الاشارة الى أن "اسرائيل" ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية بينما هي حكماً عضو في محكمة العدل الدولية، لأنها عضو في الامم المتحدة.
ث- من الجدير بالذكر، أن محكمة العدل الدولية بعكس المحكمة الجنائية الدولية؛ لا تستطيع أن تتخطى حصانة الدول ولا تحاكم أشخاصًا ولا تأمر بالسجن، بينما تستطيع المحكمة الجنائية الدولية إسقاط الحصانة على "الاسرائيليين" الضالعين في جرائم حرب وجريمة الابادة في غزة، حتى لو كان الرئيس "الاسرائيلي" ونتنياهو والوزراء وأركان الجيش وغيرهم ممن حرض ونفذ وساهم في الابادة الخ..
ج- أما بالنسبة للقرارات، فليس لمحكمة العدل الدولية ولا المحكمة الجنائي أي جهاز تنفيذي لتنفيذ القرارات. وفي حال تمنّعت إحدى الدول عن الالتزام بقرارات المحكمتين فعلى الطرف المتضرر أن يلجأ لمجلس الأمن.
وفي هذا الإطار، يبقى استصدار قرار من مجلس الأمن بتطبيق القرارات محكوماً بالفيتو، وفي قضية "اسرائيل" سيكون الفيتو الاميركي بالمرصاد.
وفي النهاية، قرارات محكمة العدل الدولية وأحكامها لا تقبل الاستئناف، وهذا يعني أن اتهام "اسرائيل" بالابادة في غزة، وبالرغم من أنه قرار لا يمكن تنفيذه عملياً، يبقى لديه قوة قانونية معنوية، ويشير الى تغيير ثوري في النظام القانوني العالمي، حيث استطاعت "اسرائيل" أن تفلت من العقاب منذ عام 1948 وما زالت لغاية الآن.