أقلام الثبات
لم تتأخر اميركا وحلفاؤها الأوروبيون عن الرد السريع على قرارات محكمة العدل الدولية المتواضعة، والتي لم تصل الى ادانة "اسرائيل" والبقاء في دائرة التمني والبحث عن ادلة دون قرارات حاسمة وتحمل في طياتها تبرئة "لإسرائيل" عما فعلته من مجازر وابادة جماعية، مع كل الشكر لجنوب افريقيا التي اخذت دور السلطة الفلسطينية الصامتة والمحايدة، والتي لم تتقدم بهذه الدعوة، وفي ذلك مفارقة كبيرة، ولم نتقدم اي دولة عربية او اسلامية، حتى بدت غزة يتيمة، وصارت "ابنة" جنوب افريقيا "بالتبني"!
امريكا وبريطانيا وكندا والمانيا وفنلندا وايطاليا وسويسرا، ويمكن ان تتبعها دول اخرى، سارعت لوقف وتجميد تمويل "الأونروا" في غزة، بحجة ان "إسرائيل" تتهم بعض موظفيها بالمشاركة في احداث 7 تشرين "طوفان الأقصى"، وقبل ان يتم التحقيق او اثبات الدليل اتخذ القرار بتشديد الحصار على المظلومين، ومن نتائج وقف هذا التمويل ما يلي:
- دعم معنوي "لإسرائيل" في مواجهة العزل الدولي، والتعاطف معها بمواجهة قرار محكمة العدل.
- اقفال مراكز الايواء والمدارس والمؤسسات التابعة للأونروا في غزة، والتي تشكل ملجأً للمدنيين الفلسطينيين.
- اتهام حماس باستغلال المؤسسات الدولية في اعمالها العسكرية، مما يفتح المجال لاتهامها باستغلال المساعدات الدولية الآتية لغزة!
- اقصاء الاونروا عن الاشراف عن المساعدات الإنسانية في غزة لفتح المجال امام تكليف جهات اخرى لتامين الاختراق لساحة غزة امنياً.
- إن القرار الامريكي بوقف التمويل يشكل نكسه لجهود الإغاثة، ويطيح بقرار المحكمة الدولية لتامين المساعدات الغذائية، ويشدد الحصار ويزيد من معاناة وآلام الفلسطينيين، ويغلق بابا اساسيا للمساعدات، لكنه يشكل صفعه للعرب والمسلمين، وكشف ذلّهم وتقصيرهم، حيث إن مساعدات هذه الدول كلها مجتمعة لا تتجاوز ال 500 مليون دولار، وتتراوح بين 60 مليون دولار من أمريكا (كحد اعلى) وحتى 5 ملايين دولار من فنلندا (الحد الأدنى).. فهل تعجز الدول العربية والإسلامية عن توفير هذا المبلغ؟!
ان حفلاً موسيقياً او مأدبة عشاء يخت امير او ملك او مصارفات رئيس تكاد توازي ميزانية "الأونروا" في غزة، وهذا يثبت ان الجميع شركاء في سفك دماء غزة وقتلها.
"الاسرائيلي" يقتلها بالنار..
والأميركي ومن معه يقتلها بمنع الدواء والخبز والماء...
واغلب العرب والمسلمين يقتلونها بالصمت وتأييد "اسرائيل" ومنع امدادها بالغذاء والدواء !
غزة تواجه مصيرها وقد وُضع اهلها بين خيارين... الموت قتلا وجوعا ومرضا.. او الاستسلام والقبول بالتهجير!
لايزال "الاسرائيلي" والامريكي ومعهم العرب المطبّعون والغرب، يعملون على تحقيق الهدف الرئيسي لإسرائيل ..(لا وجود لغزة في الخارطة الإسرائيلية)فان لم يُنجز هذا المشروع بالأشهر التي سبقت، فسيستمر العمل عليه مهما احتاج من وقت وأثمان، حتى لو قتل كل الاسرى "الإسرائيليين".
أيام غزة القادمة قاتمة ومخيفة، وكل يوم يمر ..سيكون الخطر على غزة أكبر في ظل التخاذل العربي والإسلامي والتآمر الدولي الذي لم يتحرك طوال الاشهر الماضية وبعد قرار المحكمة الدولية وبعد منع تمويل الأونروا ر صار الخطر اكبر ويؤشر للتوحش القادم..!
العجز العسكري الاسرائيلي والامريكي يفتح المجال امام مرحلة (القتل والتهجير الناعم والصامت) بالجوع، بتدمير المستشفيات تلويث المياه والأخطر ان يبدا قتل الناس بالحرب الجرثومية التي مهّد لها الاسرائيليون منذ شهرين بعد اعلان إصابة جنودهم بأمراض غريبة!
المقاومة في غزة في دائرة الاحراج وضيق الخيارات .
فلا تستطيع الاستسلام بعد كل هذه التضحيات ...ولا تستطيع ترك اهلها كما هو الحال ..وستصل الى اللحظة التي تضطر فيها للتنازل عن بعض مطالبها من اجل انقاذ اهلها ...طالما ان حال العرب والمسلمين والعالم كما هو.. ولا يستطيع محور المقاومة والجهاد اسنادها أكثر مما قدمه حتى الان.. حتى لا يدخل في الحرب الشاملة ...
فهل تقدم قياد المقاومة في غزة على "تجرّع كأس السم" وتقديم بعض التنازلات لإنقاذ ما تبقى من غزة (حتى لا تتكرر تجربة بيروت ثانية)، كما اتخذ الامام الخميني (رض) قراره الحكيم بالقبول بالقرار الدولي (598) لوقف الحرب العراقية - الايرانية وقال: "إني اتجرّع كاس السم"، وقد قال المرشد الأعلى السيد الخامنئي في ذكرى وقف الحرب إن "قبول القرار في نهاية الأمر، والذي وصفه الخميني بكأس السم، كان حكيماً ومن الأعمال الأكثر عقلانية".