أقلام الثبات
في وقتٍ وشيكٍ ستعيد السفارة السعودية في دمشق فتح أبوابها، بعد عقدٍ ونيّف من إقفالها، وذلك إثر الحرب الكونية على سورية في منتصف آذار 2011، ثم محاولة عزل دمشق إقليميًا ودوليًا، لإسقاط الدولة السورية، غير أن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح، بفضل صمود الجيش السوري، والقيادة السورية، والتفاف الشعب حول جيشه وقيادته.
كذلك أسهم في هذا الصمود الأسطوري، دعم الحلفاء الدوليين والإقليميين لسورية، وفي مقدمهم روسيا وإيران والمقاومة اللبنانية، لما لسورية من أهميةٍ جيوسياسيةٍ في المنطقة، ودورٍ رائدٍ في العالم العربي، وكونها تشكّل عمود الفقري لمحور المقاومة. فقد شهدت سورية حربًا غير مسبوقةٍ لم تشهدها أي من دول المنطقة في التاريخ الحديث والقديم أيضًا، استُخدم في هذه الحرب سلاح الإرهاب، وإثارة الفتن، والتضليل الإعلامي، وتهديد وحدة الأراضي السورية، واحتلال بعضها من القوات الأطلسية، خصوصاً من الجيشين الأميركي والتركي، ولا يزال الشعب والجيش والسوري يواجهان الإرهاب والمحاولات الانفصالية، تحديدًا في شمال البلاد وشرقها.
بالإضافة إلى محاولة عزل سورية دوليًا، يواجه الشعب السوري حصارًا غربيًا جائرًا وغير مسبوق أيضًا، جاء مترافقًا مع إعلان الحرب الكونية على البلاد السورية، ثم زادت حدة هذا الحصار، بعد إقرار الكونغرس الأميركي "قانون قيصر"، وتوقيعه من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في كانون الأول 2019، لتشديد الحصار على الشعب السوري. وهنا لا يمكن إغفال المعاناة التي خلّفها هذا "القانون" الجائر في سورية وعلى السوريين، تحديدًا لجهة سوء الأوضاع الاقتصادية المعيشية. كذلك أسهم "قيصر" في عزل دمشق دوليًا وعربيًا، من خلال استمرار عدد من الدول العربية والأجنبية قطع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الحكومة السورية، خوفًا من العقوبات الأميركية، كما حدث مع مصر والأردن اللتين لا تزالان ترفضان مد لبنان بالغاز الطبيعي والطاقة الكهربائية، كون إمدادات الغاز وأسلاك الكهرباء ستمر عبر الأراضي السورية وصولًا إلى لبنان.
أمام هذا الواقع المرير، يسعى الشعب السوري إلى التكيّف مع هذا الواقع، وتحاول الحكومة السورية بدورها، تنشيط الحركة الاقتصادية من خلال تفعيل التعاون الاقتصادي مع الدول الحليفة، كالعراق وإيران والصين وروسيا، فلا تغيير في الإصطفافات الدولية الراهنة في المدى المنظور، خصوصًا بعد الحرب الأطلسية- الروسية على الأراضي الأوكرانية، بالتالي لا تغيير في السياسات الخارجية الغربية حيال سورية، لذا لا بد من تفعيل التعاون الاقتصادي مع حلفائها للتخفيف من وطأة الحصار الجائر، على أن يأتي ذلك متلازمًا مع تفعيل الحكومة السورية الإجراءات المتعلقة بمكافحة الفساد، ومحاسبة الفاسدين، عملًا بما شدد عليه الرئيس بشار الأسد في كلمته أمام الحكومة أخيرًا، فخصص ثلث الكلمة عن ضرورة مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، بحسب ما ينقل أحد الحضور.
بالعودة إلى مسألة إعادة افتتاح السفارة السعودية في العاصمة السورية، لا ريب أن المملكة السعودية هي دولة قوية في المنطقة، ولها تأثير إقليمي على عدد من العربية والإسلامية، وهي تحاول تعزيز حضورها في العالم العربي، ولا ريب أيضًا أن إعادة علاقاتها مع دمشق إلى ما قبل العام 2011 يسهم في تعزيز حضور "المملكة" في المنطقة والعالم العربي، ومواجهة "المد التركي" في المشرق العربي في آنٍ معًا.
وفي السياق، تعتبر مصادر سياسية عربية أن "عودة العلاقات السورية- السعودية إلى طبيعتها ضرورة للمملكة، في حال آلت الأوضاع في المنطقة إلى حل الدولتين في فلسطين، بعد الحرب على غزة، فاستمرار العداء السعودي ضد كل من سورية وإيران، وفي الوقت عينه توجه "المملكة" إلى تطبيع علاقاتها مع الكيان "الإسرائيلي"، إذا كُتب لحل الدولتين النجاح، فهذا الأمر يضعف موقف الأولى أمام هذا الكيان، وتجاه الرأي العام العربي، لذا لا بد من إعادة افتتاح السفارة السعودية في دمشق، ودائمًا برأي المصادر. وفي هذا الإطار تعتبر أن حل الدولتين بات حاجةً أميركيةً لإمرار مشروع الخط التجاري بين الهند وحيفا الذي يمر في السعودية والإمارات العربية، لمواجهة "خط الحرير" أو "الحزام والطريق" الذي يمتد من الصين عبر أسيا الوسطى والشرق الأوسط نحو أوروبا، وقد يؤدي خط "الهند- حيفا" إلى خسارة الصين نحو نصف الموارد المالية التي من المفترض أن ينتجها "الحزام والطريق"، تختم المصادر.
افتتاح السفارة السعودية في دمشق حاجة إقليمية.. ودولية ــ حسان الحسن
الأحد 21 كانون الثاني , 2024 01:59 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة