تضحيات الصامدين… وأصوات التوهين ـ عدنان الساحلي

الجمعة 19 كانون الثاني , 2024 01:16 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
يثير صمود سكان قطاع غزة واستبسال مقاوميهم، في مواجهة الغزو الصهيوني لأراضيهم وبيوتهم، حنق أصوات التوهين ومن يقف خلفها ويحركها، فهذه الأصوات، لا تترك مناسبة إلا وتقدم خدماتها للعدو "الإسرائيلي"، عبر ضرب المعنويات وترويج الخطاب الصهيوني، الذي يعمل على ضرب العزائم المقاومة وتخريب أي مواجهة جدية ضد الكيان التوسعي الغريب.
صحيح أن ما يقدمه أهل غزة ومقاوموها من تضحيات هو ثمن غالٍ بكل الحسابات، لكنه، بألسنة أهالي  الشهداء المقاومين والمدنيين، يبقى ثمناً يستحق دفعه ذوداً عن الأرض والعرض، وعن حق الحياة بحُرية وكرامة، وهو ثمن أقل تكلفة مقارنة بما شهدته فلسطين والبلدان العربية من فتن وحروب افتُعلت لكي يكون العدو الصهيوني هو الطرف الأقوى، مقابل عشرات البلدان العربية التي تضمها جامعتهم العربية.
ولو نظرنا إلى حجم القتل والتدمير الذي تمارسه قوى العدوان الصهيوني، المدعومة من الغرب الاستعماري، بزعامة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وأتباعهما، نجد أن العدو ما زال ينفذ ذات السياسات التي تريد أن تزرع في العقل العربي أن قتال "إسرائيل" فوق طاقة الفلسطينيين والعرب على تحمل كلفته، لكن في المقابل فإن أحد أسرار الصمود الفلسطيني وتحمله هذا الثمن الباهظ، ودخول أطراف عربية مقاومة على خط المواجهة دعماً للشعب الفلسطيني، هو إدراك الجميع أن ما هو مطروح عليهم هو الاختيار بين السيئ والأسوأ، وأن خيار مواجهة الغزوة الصهيونية وكسرها هو الطريق الأقل كلفة، مهما كانت هذه الكلفة، لأن البديل جرت تجربته طوال السنوات ال76 من عمر هذا الكيان الغريب، الذي زرعته بريطانيا حاجزاً يفصل مشرق العرب عن مغربهم، والذي لو وجهت الأنظمة والحكومات العربية جهودها ضده بصدق وجدية لأنهت وجود هذا الكيان الاستعماري وأعادت الشعب الفلسطيني المشرد إلى أرضه ووطنه.
بعد عشرات السنين على نكبة فلسطين، يدرك الفلسطينيون والعرب أن هزيمتهم عام 1948 كانت بفعل خيانة حكامهم وتواطؤهم مع المشروع الصهيوني، فأولئك الحكام أرسلوا إلى فلسطين للدفاع عنها أعداداً هزيلة من الجنود سيئي التدريب والتسليح مقارنة بالعصابات الصهيونية التي استجلبت مقاتليها من الكتائب اليهودية في جيوش قوات الحلفاء، بأعداد تفوق باضعاف اعداد القوات العربية التي تواجهها، حيث شارك لبنان في حرب فلسطين، على سبيل المثال، بحوالى الف جندي، والسعودية بثلاثة آلاف، ومصر بعشرة آلاف مدعومين بمثلهم متطوعين، لم يجد الحكم الملكي المصري وسائل لنقلهم إلى ساحة الميدان، فاستعان بشركات سياحية تولت نقلهم، بعد ان زودوا بأسلحة فاسدة اشتراها سماسرة الحكومة باسعار باهظة، فيما حشد الصهاينة حوالى 100 الف مقاتل استقدموهم من جيوش الحلفاء، وخلفهم احتياط من الكتائب اليهودية في تلك الجيوش يقدر بمئات الآلاف. كما أن ما ردده قادة الجيش العراقي في ذلك الوقت: "ماكو أوامر"، أي لا توجد أوامر بالهجوم على العصابات الصهيونية، والاكتفاء بالدفاع عن حدود قرار تقسيم فلسطين، كان سمة كل الجيوش العربية، خصوصاً جيش المملكة الأردنية، الذي كان يقوده جنرال بريطاني صهيوني اسمه غلوب باشا،
ويدرك الفلسطينيون وكل من يتبنى خيار المواجهة ضد الكيان المحتل، من الفلسطينيين والعرب والمسلمين، أن الكوارث التي أصابتهم منذ ذلك التاريخ وحتى هذه الأيام ناتجة عن تقديمهم لخيارات غير قرار المواجهة الجدية مع هذا المشروع، الذي يشكل قاعدة عسكرية متقدمة للغرب الاستعماري، لن يتركهم قبل أن يهزموه أو يلحقهم بالهنود الحمر، على غرار ما فعل المستعمرون الأنكلوساكسون في شعوب اميركا الأصلية.
ولو اخذنا نماذج عن هذه الحالة، لوجدنا أن كل ما تكلفه لبنان في "حروبه" مع العدو الصهيوني، لا يرقى إلى الخسائر في البشر والحجر وفي النسيج الاجتماعي، التي دفعها في الحرب الأهلية التي انفجرت عام 1975 وما تلتها من حروب طائفية ومذهبية، وحتى داخل كل طائفة، فالحرب مع العدو أقل كلفة ودماراً وتضحيات من كلفة الفتن التي يوقعنا بها رعاة الكيان "الإسرائيلي"، الذين هُرعوا بقادتهم وأساطيلهم لحمايته بعد عملية طوفان الأقصى البطولية، التي نفذها مجاهدوا كتائب القسام في غزة، وتلك العملية الجريئة كان من إيجابياتها أنها أوقفت "حرب" مخيم عين الحلوة في لبنان، التي كان مقدر لها أن تمتد إلى كل المخيمات في لبنان، وربما في غير لبنان، بكلفة من البشر والحجر لا تقل عما تشهده غزة.  
والأمر نفسه يقاس على حال كل العرب، فلو وجه العراق جيشه الحديث والقوي نحو الكيان الصهيوني، بدلاً من شن حرب على إيران الإسلامية، ثم أكمل خطيئته بغزو الكويت، لما تعرض للدمار ولحجم الشهداء والضحايا الذين خسرهم في تلك الحروب. ولو وجه "التحالف العربي"، الذي انشاته أميركا أسلحته ضد "إسرائيل"، بدلا من قصف اليمن وغزو أجزاء منه، طوال تسع سنوات، لما بقي من كيان العدو شيئاً. كما بات بعلم السوريين، أنهم لو شنوا حرباً ضد الكيان لتحرير الجولان، لكانت تلك الحرب اقل كلفة مما تعرضت له سورية، بفعل "الثورة" التي أشعلتها الدول الراعية للكيان الصهيوني، بتنفيذ وتمويل دول عربية وإسلامية تدور في فلك الغرب وحلف "الناتو".
حتى السودان، لم ينأى عن التخريب الصهيوني، فانفصال جنوبه عن شماله تم بدعم صهيوني علني. وعندما جنحت أنظمة عربية لإشهار علاقاتها مع "إسرائيل"، تحت مسمى التطبيع، إفتعلت حرب بين الجيش السوداني وبين الميليشيات المسلحة، التي سبق له أن صنعها لتساعده ضد الحركات الإنفصالية، لإقامة ساتر من النار والدخان يغطي خيانات الأنظمة العربية التابعة لأميركا، في خطواتها لإشهار علاقاتها مع "إسرائيل"، على غرار ما حدث للبنان، عام 1975، لتغطية خيانة أنور السادات وزيارته للقدس المحتلة وعقده إتفاقية كمب ديفيد مع الصهاينة.
وحتى مصر، التي اخرجها السادات ومن تلاه في حكمها، من دورها العربي والإفريقي، باتت في الحسابات العربية والافريقية دولة هامشية، بعدما كانت زعيمة العرب وأفريقيا. وهي عاجزة حالياً عن حماية مصدر حياتها، فهي كما قال عنها "هيرودوت" هبة النيل. والنيل بات أسير المشاريع الأثيوبية بدعم "إسرائيلي" علني. كل ذلك يؤكد أن لا خيار أمام الفلسطينيين والعرب ومن يدعمهم من المسلمين، غير قتال هذا الكيان اللقيط وإزالته وتحرير كل فلسطين، فالحرب معه حرب وجود، فاما تلغيه أو يلغيك.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل