أقلام الثبات
لم تنتظر طهران طويلا للرّد على "الهجمة الأمنيّة" الإسرائيلية-الأميركية ضدّ محور المقاومة عبر سلسلة الإغتيالات التي نفّذها الثنائي بحقّ ثلّة من قادة المحور، والتي اتبعتها واشنطن سريعا بتدخّل عسكري مباشر بمعيّة لندن وتنفّذ عدوانا على صنعاء والحديدة وغيرها من المناطق اليمنيّة فجر الجمعة الفائت وتكرّره بعدها وصولا الى اليوم الخميس.. لتقفز طهران بشكل مفاجىء من الخلف الى المربّع الهجومي، وتوجّه رسائل ناريّة "الى من يعنيهم الامر" على متن صواريخ باليستية بعيدة المدى خرقت ليل الاثنين الماضي وطالت اهدافا معادية في العراق وسورية وباكستان، وسط معطيات تنذر بمرحلة تصعيد على درجة عالية من السّخونة في المنطقة قد تتضمّن ضربات عسكرية وامنية غير مسبوقة بوجه واشنطن وتل ابيب، "والتي تنتظر على الارجح هزة" امنيّة " غير مسبوقة في الضفّة الغربية.
بعد "الرّدة الهجوميّة" المفاجئة التي سدّد من خلالها الحرس الثوري الايراني "هدفا ذهبيا" بالمرمى "الاسرائيلي"-الاميركي ليل الاثنين الماضي على متن الصواريخ الباليستية التي دمّرت احد ابرز مقار "الموساد" الاسرائيلي في اربيل-كردستان العراق، كما مقار للتنظيمات الارهابية في ادلب السورية قبل استهداف اخرى تتبع لما يُسمى "جيش العدل" في باكستان.
دخلت ايران بشكل مباشر على خطّ "المنازلة" في جبهات المنطقة، والتي فُتحت واحتدمت جرّاء العدوان "الاسرائيلي" على غزة بدعم اميركي كامل، واوصلت رسالتها الناريّة الى الثنائي، بأنها لم ولن تتردّد بالردّ القاسي على استهداف قادة محور المقاومة "بعيدا جدا" عن حدودها.. خصوصا بعد الكشف عن "غموض" عملية استهداف سفينتّين "اسرائيليّتَين" في المحيط الهندي في 4 الشهر الجاري ــ التي لم تتبنّى حينها اي جهة المسؤولية عنها، الى ان أميط الّلثام امس الاربعاء عن وقوف الحرس الثوري خلف عملية الاستهداف هذه.
وبالتالي، تلقّفت تل ابيب الرسالة الايرانية جيدا، خصوصا وانّ ضربة احد ابرز مقار "الموساد" الاسرائيلي في اربيل، الذي دمّرته الصواريخ الباليستية الايرانية، اسفرت عن مصرع 4 من كبار مسؤولي الجهاز المذكور-وفق ما اكدت مصادر ووسائل اعلام ايرانية. ولتشمل مصرع رجل الاعمال الكردي بشرو دزيني ـ المسؤول عن تصدير النفط من شمال العراق الى الكيان "الاسرائيلي"، والذي يُعتبر من الشركاء الاقتصاديين الكبار للكيان في كردستان، اضافة الى مصرع المدعو كرم ميخائيل- الذي يضطلع بمهمة دعم شبكة جواسيس "الموساد" في المنطقة.
هي الضربة الثانية التي يتلقاها "الموساد" الاسرائيلي في اربيل في غضون اسبوعين، بعد الضربة التي نفّذتها المقاومة الاسلامية في العراق ليلة رأس السنة، والتي تكتمت عليها تل ابيب الى ان كشفت عنها منذ ايام صحيفة "جيروزاليم تايمز" العبرية، وأقرّت بمصرع 3 ضباط "ينشطون في كردستان العراق"-وفق اشارتها.
وعليه، بدا بارزا "حسن" انتقاء الاهداف التي حدّدتها طهران في ضرباتها الصاروخية، إن في اربيل، او في ادلب السورية، من حيث "اهمية" مسؤولي "الموساد" الذين استهدفتهم وكبار المتعاونين معهم من "الانفصاليّين"، وجاء لسان حال طهران الى تل ابيب من خلال هذه الصفعة،" اننا نرصد بدقة ونعرف تماما تحرّكات ضبّاطكم وأذرعكم في المنطقة، وقادرون على النيل منها اينما وُجدت وساعة نشاء.
والى الأميركي الذي "ابتلع" الضربة، وصلته الرسالة بالمثل، خصوصا في "توقيت" بدء الهجوم الصاروخي على مقار الارهابيين في ادلب السورية- وحيث استُهدف احد ابرز وأهمّ تلك المقار، تزامنا مع تواجد يُفترَض انه سرّي لقائد القيادة المركزية الاميركية جايمس ميلوي- وفق ما المحت تسريبات صحافية روسية.. والأخير هو نفسه الذي سبق ان حدّده بالإسم رئيس جهاز الاستخبارات الروسية سيرغي ناريشكين، حين اعلن "انّ الجيش الاميركي سلّم مسلّحي "داعش" المتواجدين بالقرب من قاعدة التنف، صواريخ مشحونة بمواد سامة، موضحا انه تمّ تشكيل لجنة استخبارات اميركية-بريطانية مشتركة في القاعدة المذكورة يرأسها جايمس ميلوي.
توعّد الحرس الثوري الايراني ب"استمرار العمليات الهجومية حتى الثأر لآخر قطرة دم للشهداء"-وفق ما جاء في بيانه ليلة الاثنين الماضي.. ومرّر – وفق مصادر ايرانية، تحذيرات جديدة الى المسؤولين العراقيين من مغبة السكوت مطوّلا على مراكز التجسّس "الاسرائيلية" ومسؤولي "الموساد" الذين يرتعون في اربيل، والذين يقفون خلف عمليات اغتيال عديدة طالت علماء نوويين ايرانيين وتفجيرات كما تورّط ضباط انفصاليين اكراد-بالتنسيق مع "الموساد" في عملية اغتيال اللواء الشهيد قاسم سليماني.
ووجه الطلب الايراني ب "تعتيم" متكرر للمسؤولين العراقيين حيال اي انشطة استخبارية "اسرائيلية" في كردستان، بل تنكّر لوجودها اصلا هناك.. رغم تأكيد وإجماع مسؤولين وخبراء وتقارير وكبريات الصحف الغربية والعالمية والعبرية على" نشاط لا يهدأ للموساد "الإسرائيلي" في كردستان-العراق. كصحيفة "لو فيغارو" الفرنسية التي ذكرت في تقرير لها بشهر يناير عام 2012 ، "انّ الموساد متواجد في منطقة الحكم الذاتي الكردية في شمال العراق، من اجل توظيف اكراد ايرانيين للتجسّس على ايران، واستهداف خبراء نوويين فيها"..حتى وسائل اعلام عبرية- بينها موقع تنسيف نت" اقرّت بمشاركة ضباط اكراد من كردستان-بأمر من "الموساد" في تتبُّع وتصفية اللواء سليماني، وذكر الموقع حينها " انّ هؤلاء الضباط تنكروا ليلة تنفيذ العملية بثياب عاملين في نقل الامتعة بمطار بغداد، وكانت مهمتهم التعرّف عليه جيدا قبل تدخّل المروحيات الاميركية لتنفيذ مهمة الاغتيال.
مع التذكير ايضا بمقال نشرته صحيفة "معاريف" العبرية عام 2007 تحت عنوان" هكذا يتحوّل الاسرائيليون الى اغنياء على حساب العراق"، كشفت فيه عن وجود اكثر من 70 شركة "اسرائيلية" ذات طابع تجاري وصناعي تعمل في العراق "بصورة غير علنية"، فيما كشف الكاتب الشهير سايمور هيرش في احد مقالاته بصحيفة "الغاريان" البريطانية، "انّ عملاء الاستخبارات "الاسرائيلية" ينشطون بشكل مركّز في مناطق الانفصاليين الكرد في سورية والعراق وايران، ويديرون –انطلاقا من هذه المناطق، عمليات سرّية تهزّ الاستقرار بالمنطقة كلها.
ويبدو، انّ ضربات الحرب الأمنية ستسير "ندّيا" من قِبَل اقطاب محور المقاومة بمواجهة واشنطن-تل ابيب في ساحات عدة بالإقليم و"خارج الحدود".. ثمّة تسريبات لبنانية المحت الى ترجيح اقتراب عمليات نوعية غير مسبوقة في المنطقة، قد تُتوَّج ب"صَيد ثمين" تُطبق عليه حركة "انصار الله" اليمنيّة بعملية "من العيار الثقيل" تفاجىء الاروقة الاميركية، على وقع حدث وصفته ب "الكبير وغير العادي" في الضفّة الغربية.