أقلام الثبات
شهد العالم في الأسبوع الماضي حدثاً تاريخياً كبيراً، وتسمر الناس لمشاهدة مرافعة فريق ادعاء جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية، والذي عرض الوقائع والأشرطة التي تشير الى نيّة "إسرائيلية" بإبادة أهل غزة، بينما ترافع الفريق "الاسرائيلي" في اليوم التالي، وزعم أنه يكافح الارهاب، وادعى أن "اسرائيل" لا تقوم بأعمال إبادة.
وكانت جنوب أفريقيا قد رفعت دعوى ضد "اسرائيل" أمام محكمة العدل الدولية في التاسع والعشرين من كانون الاول/ ديسمبر 2023، وذلك بصفتهما موقعتين على اتفاقية "ابادة الجنس" الصادرة عام 1951. وادعت جنوب افريقيا أن اعمال "اسرائيل" في غزة مخالفة لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية المعاقبة عليها، وذلك بمقتضى المادة التاسعة من الاتفاقية، والتي تنص على أنه “تُعرض على محكمة العدل الدولية بناء على طلب أي من الأطراف المتنازعة، النزاعاتُ التي تنشأ بين الأطراف المتعاقدة بشأن تفسير أو تطبيق أو تنفيذ هذه الاتفاقية، بما في ذلك النزاعات المتصلة بمسؤولية دولة ما عن إبادة جماعية أو عن الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة".
وطلبت جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية، اتخاذ تدابير مؤقتة من أجل حماية الفلسطينيين في غزة من أي ضرر جسيم إضافي وغير قابل للإصلاح بموجب الاتفاقية ولضمان امتثال "إسرائيل" لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية بعد المشاركة في الإبادة الجماعية ومنعها والمعاقبة عليها، وهذا يعني أن المحكمة ملزمة بإصدار قرار عاجل يوقف آلة القتل "الاسرائيلية" من الاستمرار في ارتكاب أعمال الابادة في غزة إذا وجدت أن هناك شبهة ابادة، ومن ثم يمكنها إصدار قرار نهائي بحصول الابادة فعلاً، وهو سيأخذ وقتاً طويلاً.
ومن المتوقع أن تتعرض المحكمة وقضاتها لضغوط دولية، خصوصاً أميركية، ويمكن استنباط ذلك من خلال التصاريح الغربية التي رفضت هذه الدعوى، اذ لم تعلن أي دولة غربية دعمها لمزاعم جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل"، وقد رفضتها الولايات المتحدة معتبرة أن "لا أساس لها من الصحة"، ووصفتها المملكة المتحدة بأنها "غير مبررة"، وقالت ألمانيا إنها "ترفضها صراحة".
وفي هذا الإطار، يمكن توقع ما يلي:
1- يتوقع أن تضغط الولايات المتحدة على قضاة المحكمة لكي لا يحكموا على اسرائيل بالإبادة في القرار النهائي، وقد تبرر المحكمة قرارها بأن الأدلة غير كافية لإثبات الابادة، أي ان التصريحات غير كافية لإثبات "النية" بارتكاب الابادة، علماً النية هي التي تميّز بين الابادة والجرائم الدولية الاخرى.
2- لكن، إذا كانت ادارة بايدن تريد أن تضغط على المستوى السياسي والعسكري الاسرائيلي لإنهاء الحرب في غزة في نهاية شهر كانون الثاني/ يناير كما طالبوا في وقت سابق ورفض نتيناهو ذلك. في هذا السيناريو، وإذا باتت الحرب "الاسرائيلية" مضرة جداً بحظوظ بايدن الرئاسية، فيمكن أن تصدر المحكمة قرار مبدئياً بوقف الحرب لشبهة الابادة، لكن في القرار النهائي يتم تبرئة "اسرائيل" من تهمة الابادة.
3- أما السيناريو الاخير فهو أن يرفض قضام المحكمة الخضوع للضغوط الدولية، ويحكموا على "اسرائيل" بجرم الابادة في غزة، وهذا سيكون شيئاً كبيراً جداً في تاريخ العالم، وسيكون مشيناً للغرب أيضاً، الذي ما زال مستمراً بالدفاع عن "اسرائيل" حتى بعد ارتكاب الفظائع.