أقلام الثبات
تلاقت أصوات بعض اللبنانيين، ممن يعتبرون العدو "الإسرائيلي" جاراً لهم وربما حليفاً، مع أصوات رسل وسفراء الدول الغربية، خصوصاً سفراء ومبعوثي الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا، الملحين على "تفعيل وتطبيق القرار الأممي 1701" من جانب لبنان، لتتقاطع مع التهديد "الإسرائيلي" بضرورة تراجع وجود المقاومة على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة إلى شمال نهر الليطاني، إن سلماً أو حرباً.
اللافت أن تلك الأصوات المحلية أو الغربية تذكرت مؤخرا القرار 1701 وبدأت تطالب بتطبيقه، متجاهلة أنها صمتت طوال السنوات السابقة التي شهدت اعتداءات "إسرائيلية" لم تتوقف يوماً في البر والجو والبحر، وكذلك تتجاهل أن الحاكمين في الكيان الذي يحتل فلسطين يتبنون عقيدة "يهودية الدولة"، التي تعني أن لا مكان لغير اليهود داخل فلسطين المحتلة وداخل الكيان "الإسرائيلي"، الذي تصل حدوده إلى حيث يقف جنوده في حروبهم التوسعية.
وكان واضحاً أن الحملة لتطبيق القرار 1701، جاءت بعد جولة للسفيرة الأميركية المغادرة قريباً، دوروثي شيا، لانتهاء فترة انتدابها وتبديلها من قبل إدارتها، حيث مارست ضغوطاً وأطلقت حملة ممولة تحت شعار "لبنان لا يريد الحرب"، تنفيذاً لقرار رئيسها جو بايدن، الذي أرسل أساطيله لحماية "إسرائيل" ومساعدتها في العدوان على غزة والشعب الفلسطيني. وهكذا انطلقت الأصوات المحلية المدفوعة من السفارة الأميركية، تدعو لعدم تدخل المقاومة إلى جانب الشعب الفلسطيني، وتطالب بإخلاء الجنوب من المقاومة، تنفيذا للقرار 1701.
بدورها، وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا، التي زارت لبنان في مهمة "إسرائيلية" واضحة، أطلقت تهديدات بسوء ما سيحدث للبنان إذا استمرت المقاومة في تصديها للجرائم "الإسرائيلية"، ونشرت اجواء تحريض على المقاومة، مشددة على تطبيق القرار المذكور، علماً أن أحداً لم يسمع صوتاً فرنسياً أو غربياً رسمياً طوال السنوات السابقة، يندد أو يرفض الاعتداءات "الإسرائيلية" على لبنان.
حتى السفير البريطاني هاميش كاول، نفّذ المهمة "الإسرائيلية" الموكلة له بتفان، واصفاً دور المقاومة بأنه "أعمال عدائية"، وقال منذ فترة، إثر زيارته قائد الجيش اللبناني: "شددت مع العماد عون على ضرورة وقف الأعمال العدائية على طول الخط الأزرق، وتجديد الالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701، وان الأعمال العدائية المستمرة في جنوب لبنان لا تؤدي إلا إلى تأخير أي حل طويل الأمد للسلام".. طبعاً السلام في عرفه يعني تأمين سلامة ورخاء الكيان، الذي أقامته بلاده على أرض فلسطين.
الجدير بالذكر أن التركيز على منطقة جنوب الليطاني، كان ولا يزال في صلب المطامع الصهيونية، فقد سبق لدايفيد بن غوريون أن أكد في تقريره المرفوع إلى المجلس العالمي لعمال صهيون، في عام 1937 على ذلك، كما أن المنظمة الصهيونية سبق لها أن أثارت قضية الحدود المشتركة مع لبنان، في المذكرة الرسمية التي قدمتها إلى مؤتمر الصلح المنعقد في فرساي في فرنسا والمؤرخة في 3 شباط 1919، ضمنتها الحدود المقترحة للدولة اليهودية، بما في ذلك المنطقة الجنوبية من لبنان،
وجاء في مذكرة المنظمة الصهيونية إلى مؤتمر الصلح: "إن حدود فلسطين يجب أن تسير وفق الخطط المذكورة أدناه: تبدأ من الشمال عند نقطة شاطئ البحر المتوسط، بجوار منطقة صيدا؛ وتتبع مفارق المياه عند تلال سلسلة جبال لبنان، حتى تصل جسر القرعون، فتتجه الى البيرة متبعة الخط الفاصل بين حوضي وادي القرن ووادي التيم، ثم تسير في خط جنوبي... كما يجب التوصل الى اتفاق دولي تحمى بموجبه حقوق المياه للشعب القاطن جنوبي نهر الليطاني – أي اليهود – حماية تامة".
وهناك من اقترح ترحيل السكان الشيعة من الجنوب اللبناني الى العراق، كاقتراح أحد السياسيين الشيعة (نموذج شيعة السفارة)، شراء أراضي جبل عامل كلها (كتاب "المتاهة اللبنانية – سياسة الحركة الصهيونية ودولة "إسرائيل" تجاه لبنان 1918- 1958"- تأليف رؤوفين أرليخ)، ويقول الياهو ساسون في هذا المجال "وعد محمد الحاج عبد الله بأنه يلتزم شخصياً بتفريغ المنطقة من سكانها الشيعة، الذين يبلغ عددهم حوالي أربعمائة ألف نسمة؛ وترحيلهم إلى العراق في غضون عشر سنوات"، ولعل هذا ما حاوله العدو الصهيوني عام 2006، عندما تواطأ معه فؤاد السنيورة، في محاولة منع عودة الجنوبيين إلى بيوتهم.
والاقتراح الآخر حول الجنوب، ورد في الكتاب ذاته، في تقرير لإلياهو ساسون، عند لقائه بالشيخ بشارة الخوري (رئيس جمهورية لبنان لاحقاً)، حيث يقول ساسون: "عند تطرقنا في الحديث إلى ضرورة التعاون بين فلسطين اليهودية ولبنان الماروني، قال لي بشارة الخوري:" يوجد بيننا وبينكم حاجز يجب إزالته؛ وهذا الحاجز هو جبل عامل. هناك ضرورة لتفريغ هذه المنطقة من السكان الشيعة، الذين يشكلون خطراً مستمراً على بلدينا، وقد سبق لهم أثناء فترة الاضطرابات في فلسطين، أن تعاونوا مع عصابات المفتي لتهريب السلاح والرجال".
واقترح بشارة الخوري، كما ينقل ساسون، أن "يكون الحل بتوطين الموارنة اللبنانيين، المهاجرين إلى أميركا، في جبل عامل، بعد تفريغه من الشيعة، على أن تقرض الوكالة اليهودية البطريرك الماروني عريضة مبلغاً من المال، من أجل شراء جبل عامل وتوطين الموارنة فيه، ليكونوا جيراناً لليهود ويتمكنوا من التعاون معهم من دون عوائق”.(ص124).
من هنا يتضّح أن منطقة "جبل عامل"، أو بالأحرى جنوب الليطاني، كانت وما تزال تشكل هاجساً ومصدر قلق ومطمع للآباء المؤسسين للكيان الصهيوني ولقادته الحاليين؛ وللجهات المتعاونة معهم، من مختلف الطوائف والمناطق اللبنانية، وهؤلاء هم أصحاب الأصوات المعارضة لوجود المقاومة في الجنوب؛ والداعين سراً وجهراً للتسليم بمطامع العدو "الإسرائيلي"، تحت حجة "السلام"، وهؤلاء يتجاهلون عمداً أن العدو يحتل منذ العام 1948 ثلاث عشرة قرية لبنانية؛ يسمونها خطأ القرى السبع، وقد أضيفت لها لاحقاً قرية الغجر وتلال كفرشوبا؛ ومزارع شبعا والنقاط التي رفض الغزاة الصهاينة الانسحاب منها عام 2000.
كما يدرك المطالبون بتطبيق القرار 1701، أن وجود المقاومة وحده هو الذي يحمي سكان الجنوب، وغياب المقاومة وسلاحها يعني تهجيرهم، فالجيش اللبناني عاجز عن ذلك، لأنه لا يملك السلاح الفعال ولا العديد الكافي، في ظل الحظر الأميركي على تسليحه بغير خردة الجيش الأميركي، وفي ظل إفلاس الدولة اللبنانية بفعل تواطؤ حكامها الفاسدين، مع القرار الأميركي بتجفيف لبنان من العملات الصعبة؛ وبافقار شعبه وتجويعه، لإخضاعه وإجباره على القبول بتطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، والمناداة بافراغ الجنوب من المقاومة وتطبيق ال1701 هو عدوان على الجنوبيين، لأنه كلمة سر لتهجيرهم وتحقيق حلم الصهاينة ومطلب بشارة الخوري القديم، و"إسرائيل" عدو محتل وتوسعي، نراها تعمل هذه الأيام على قتل وتهجير سكان قطاع غزة، وتخطط لتهجير أهالي الضفة الغربية إلى الأردن، وتهجير عرب 1948 إلى لبنان، ولا يمكن الركون لهذا العدو أو العيش قربه من دون وجود قوة تردعه وتمنع جرائمه.
بشارة الخوري… وعدوان القرار 1701 ـ عدنان الساحلي
الجمعة 22 كانون الأول , 2023 09:42 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة