العرب مع الحق والشيطان في آن.. الأردن نموذجاً ـ يونس عودة

الأربعاء 13 كانون الأول , 2023 10:15 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

دخلت حرب الابادة التي يشنها الكيان الصهيوني الغاصب  شهرها الثالث, بدفع ورعاية اميركيين، وضمناً وعلناً النظام الغربي الانغلو- ساكسوني, الذي لم يرف له جفن امام هول مذابح الاطفال والنساء والعجزة والطواقم الطبية والصحفية, فما خلا بعض التصريحات عن هدن تبريرية تنسفها تصريحات ومواقف متشددة برفض أي وقف لإطلاق النار, بينما اللجنة الوزارية المنبثقة عن القمة العربية الاسلامية التي عقدت في الرياض, تكرر مواقف سطحية باتت ممجوجة, من كثرة ما كررها القيمون على الانظمة العربية مع كل حدث او مجزرة، من دون الانتقال الى الفعل في المواقف, حتى باتوا على الملأ  شهود زور على الجرائم.
ربما هناك امثلة كثيرة يمكن ايرادها بين الموقف المجة الى الجمهور الغاضب في سبيل الاحتواء, وبين حقيقة الفعل الاجرامي المرتكب، والمساهمة في الجريمة بأشكال مختلفة.
في السياق يمكن ان يتوقف المراقب امام الموقف الاردني المعلن كأحد النماذج القاهرة للشعب الفلسطيني الذي يباد، وبين الفعل الحقيقي بحيث يصح ما ورد في الآية الكريمة: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}.
في الحقيقة انهم يفعلون ويعلمون، ولذا فان "ظلم ذوي القربى اشد مضاضة من وقع الحسام المهند"، وهو أكثر ما يصح على غالبية الأنظمة العربية، ولا سيما التي في فمها دولار.
ان مشهد التصاق وزير الخارجية الأردني ايمن الصفدي بوزير الخارجية الأميركي والجلوس الى يساره في لقاء اللجنة التي تجوب العالم تحت شعار وقف إطلاق النار, خلافا لأي بروتوكول الذي يقضي ان يكون مقعده على الطرف المقابل من طاولة المحادثات، وهذه ليست زلة قدم او لسان وانما خيار؛ أكان رضائيا او إلزامياً، والبقية في الانتماء واضح.
الجميع، بمن فيهم الوزير ايمن الصفدي, يعلم يقينا انه من السذاجة ان تستمع الإدارة الأميركية الى مطلبه او مناشدته، او حتى اخذه بعين العطف الخجول ما لم يكن هناك فعل جدي من أطراف الوفد، مثل طرد السفارة "الإسرائيلية" من العاصمة الأردنية، او وقف التنسيق الأمني مع الموساد الذي يرتبط مع الجهاز الأردني بغرفة عمليات موحدة, تصب فيها جهود المخابرات الأردنية التجسسية والاستعلامية على الفلسطينيين، وليس بوصف ما تقوم به "إسرائيل" بانه "إبادة جماعية بحق شعب كامل في قطاع غزة".
ربما اعتبر الأردن ان "إنزال مساعدات طبية للمستشفى الأردني" الذي يديره ضابط أردني برتبة عقيد واسمه ثائر الخطيب، يمكن ان يغفر الخطايا عبر بيان يوحي بأن الطائرات الأردنية عبرت فضاء غزة عنوة، إذ إن "افراداً من جانب سلاح الجو الأردني تمكنوا من إنزال مساعدات طبية عاجلة في منتصف الليل للمستشفى الميداني الأردني في غزة، بواسطة مظلات"، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل، لكن ما اوهن الاستعراض البطولي، ما قاله مسؤول أميركي بأن عملية إنزال مساعدات طبية نفذها الجيش الأردني لمشفاه في القطاع قد تمت بالتنسيق مع الولايات المتحدة و"إسرائيل"، وفق ما نقلته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
ورغم ذلك كان يمكن ان تكون المساعدة مشكور ة لو تم السماح للفلسطينيين باللجوء الى المستشفى المذكور لنيل العلاج، لكن ما كشف عبر ناشطين من غزة الابية تحديدا فهو "فضيحة مخيفة وغير مسبوقة للنظام الأردني ".
وقال الناشطون, وهو لم تنفه أي سلطة في الأردن او الذين نسقوا "عملية الانزال" البطولية استعراضاً, انه وبعد تلقى المستشفى الأردني في غزة المساعدات عبر سلاح الجو الأردني، قامت إدارة المستشفى بإغلاق البوابات في وجه النازحين ووضع أسلاك شائكة على الجدران لمنع أي أحد يحاول التسلق للدخول.
لقد اثار هذا التصرف الشك لدى بعض المواطنين من ابناء غزة الذين انتظروا توزيع المساعدات او حتى فتح المستشفى أبوابه لاستقبال الجرحى والمصابين، فقاموا بإبلاغ المقاومة التي بدورها قامت بالتحقيق وتفتيش المستشفى.
واكدت المعلومات، بحسب الناشطين، العثور على أجهزة تشويش وأجهزة تنصت أرسلها الاحتلال ضمن شحنة المساعدات للتجسس ومحاولة جمع معلومات عن الأسرى، وكذلك التشويش على منظومة الاتصالات اللاسلكية التي تستخدمها المقاومة.
وقالت المعلومات إن كل هذه الأجهزة وصلت في صناديق خشبية متينة ضمن الشحنة التي أرسلها ملك الأردن لمساعدة غزة، وحسب المعلومات الأولية تم مصادرة الأجهزة ويجري التحقيقات مع المسؤولين عنها وعلاقتهم بالموساد "الإسرائيلي".
لقد تزامنت هذه العملية مع اعلان بريطانيا التي تربطها علاقات نسل تاريخية مع الأردن, ارسال طائرات تجسسية للبحث عن الاسرى الإسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية، كما ان مسؤولا في البنتاغون أعلن أن "قوات أمريكية خاصة وصلت إلى إسرائيل مختصة بعمليات تحرير رهائن"..
لو لم تكن الرواية صحيحة لكان الأردن نفى, كما نفى مصدر عسكري أردني في اليوم التالي "استخدام الجيش الأميركي القواعد العسكرية الأردنية لنقل إمدادات لإسرائيل، وبرر ان الطائرة العسكرية الأميركية عبرت الأجواء الأردنية بعد منحها تصريح عبور وفق الإجراءات القانونية التي تحكم حركة الطيران الدولية، وتأكيد طلب العبور أنها تحمل ركاباً ولا تحمل أي معدات».
أليس غريباً ان الطائرة عبرت, وان المصدر - لو كان التبرير واقعياً - يصدق الاميركيين بان هناك ركابا, ولا تحمل معدات مع تأكيده انها طائرة عسكرية, وكان ينبغي ان يضيف انها تقل سياحا وليس من ضمن الجسر الجوي الذي تكون من أكثر من 200 طائرة وفق اعلنت وزارة الحرب "الإسرائيلية" محملة بمساعدة عسكرية من الولايات المتحدة.
 
ما يقوم به الأردن الذي بات ارتباطه عضوي مع المحتل, رغم بعض التنافر الشكلي أحيانا ,جراء الاهانات المتكررة للنظام الأردني واستباحة البلاد تجسسياً, مع وجود التنسيق في هذا الإطار في أحيان كثيرة من جانب المخابرات "الإسرائيلية"، ليس منفصلا عن أدائه السياسي العام, فهو خرج عن الاتفاق العربي وربما هو الاتفاق الاجماعي الوحيد بان يكون العرب على الحياد بشأن الحرب الدائرة في أوكرانيا.
هذ الامر كشقته صحيفة غربية هي "دي تلغراف" الهولندية، التي كتبت قبل أيام, وفي ذروة الحرب على غزة, ان الولايات المتحدة اشترت من الاردن 60 نظامًا مضادًا للطائرات ذاتية الدفع لأوكرانيا من طراز Gepard 1A2 35 ملم بمبلغ إجمالي قدره 118,375,740 دولارًا. وذكرت "دي تليغراف" أن عمان اشترت الأنظمة الألمانية الصنع، المعروفة باسم الفهود أو "pruttels"، عندما باعتها هولندا في عام 2013، مقابل 21 مليون يورو (22 مليون دولار ) وأن الولايات المتحدة تعاقدت مع شركة Global Military Products ومقرها فلوريدا لشراء الأنظمة وتسليمها إلى عميل دولي غير معروف. وهي شركة تجارية صغيرة متخصصة في مشتريات الدفاع ويسري العقد حتى أيار 2024 وكتبت صحيفة دي تليخراف أن القوات الأوكرانية تستخدمها لإسقاط طائرات بدون طيار هجومية روسية، مما يسمح لأنظمة الدفاع الجوي الأكثر تكلفة مثل باتريوت وIRIS-T بالتركيز على الأدوار المضادة للصواريخ.  
لقد تم إضفاء الطابع الرسمي على صفقة الأسلحة الأخيرة مع الولايات المتحدة التي لا ترفض وقف حرب الإبادة على غزة وترعى اسرائيل  وعدوانيتها, وهي نفسها الراعية للنظام النازي في اوكرانيا وتمده بالسلاح والمال, وهي التي ورطته في الحرب ضد روسيا, وترعاه كما ترعى الكيان الصهيوني, تمام, بينما الأردن الذي خرج عن الموقف العربي الوحيد الجامع اخذا بالاعتبار المصالح العربية بشأن, وضل الطريق تماما مثلما ضل الطريق في احتلال الكويت من جانب صدام حسين, وبقي يدفع الاثمان حتى الامس القريب, وها هو يمد اوكرانيا الحليفة لإسرائيل التي تشن حرب ابادة على الشعب الفلسطيني بالسلاح.  
كان من المجدي , ومن بعض الشهامة التي تشتهر بها العشائر الأردنية والشعب الأردني بغالبيته ان لا يطلب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي, عبر وسيلة إعلامية بانه: "إذا أرادت الولايات المتحدة استقرارا في المنطقة عليها مواجهة إسرائيل"، ان يبادر الى مواجهة بينكن وهو يندس بجانبه، او على الأقل ان ان يكون محايدا، وليس {إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم}.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل