أقلام الثبات
في خضم انشغال العالم بصور المجازر في غزة، والتوغل "الإسرائيلي" في القطاع، كانت حركة لافتة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي زار في يوم واحد كل من الامارات والسعودية، واستقبل الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي في موسكو، وأجرى اتصالاً هاتفياً بنتنياهو دام خمسين دقيقة، كما ذكرت وسائل الاعلام.
لا شكّ أن محور لقاءات بوتين وحركته يرتبطان بالصراع في الشرق الاوسط، خصوصاً حرب غزة، من ضمن عناوين أخرى تهم موسكو، وقد استطاع الروس في الفترة الممتدة منذ السابع من اكتوبر تحقيق العديد من الأهداف، عبر سياسة خارجية مدروسة، ونذكر منها ما يلي:
1- التضامن مع الجنوب العالمي ضد الغرب:
أبرزت روسيا نفسها في هذه الازمة، ومن خلال التصويت في مجلس الامن، واقتراح مشاريع قرارات لوقف النار وحماية المدنيين، أنها مناصرة لقضايا العرب، خصوصاً في ظل انقسام العالم بعد حرب غزة، حيث يقف دول الجنوب العالمي بشكل عام والعديد من مناصري السلام في الغرب مع الشعب الفلسطيني ضد الموقف المنحاز للغرب والداعم "لإسرائيل" بشكل أعمى.
وفي هذا الإطار، كرّس الروس معادلة بدأ تسويقها بعد حرب أوكرانيا: الغرب ضد مصالح الجنوب العالمي، حيث تقف روسيا والصين في جبهة واحدة مع جول الجنوب العالمي، الذين فقدوا الثقة بالغرب (المتهم بازدواجية المعايير) وبمؤسساته الدولية التي أرسيت بعد الحرب العالمية الثانية (وهذا ما اعترفت به نقاشات وتصريحات القادة الاوروبيين في مؤتمر ميونيخ للأمن).
2- لعب دور عالمي منافس للأميركيين في الشرق الاوسط:
في الوقت الذي تترسخ فيه علاقات موسكو بكل من إيران التي زاد التعاون العسكري والتسليحي معها بعد حرب اوكرانيا، ودول الخليج بعد التعاون في مجالات اقتصادية واستثمارية وطاقوية، ووقوفهم في وجه الضغوط الاميركية ورفضوا الالتزام بالعقوبات الغربية على روسيا، تبقي روسيا على علاقاتها الجيدة مع "اسرائيل" لأسباب سياسية وديمغرافية واستراتيجية.
وبالرغم من الانتقادات التي وجهها بوتين الى "اسرائيل" وتعاملها مع هجوم حماس، وتحذيره من حصار غزة كما فعل هتلر في حصار لينيغراد، فإن الشراكة الروسية – "الإسرائيلية" تبقى قائمة لأسباب متعددة. وعلى الصعيد الاستراتيجي، تبقي "اسرائيل" على علاقة وثيقة بموسكو، بالرغم من استقبال بوتين لوفد حماس ومواقف موسكو المؤيدة للفلسطينيين في مجلس الامن، وذلك انطلاقاً من حرص "الإسرائيليين" على إبقاء "حرية تصرفهم في سوريا قائمة بموافقة روسية.
وإذا عطفنا هذا التوال مع دول الاقليم، على لقاء بوتين بالرئيس الصيني في بكين في خضم حرب غزة، والتطابق في المواقف بين الصينيين والروس في مجلس الامن، يمكن أن نستشف أن الروس يطمحون لترسيخ نفوذ أكبر في الشرق الاوسط، من خلال لعب دور في التوصل الى تسوية لما بعد الحرب في غزة.
تتطلع روسيا الى هذا الدور الذي يمكن لها أن تلعبه، في ظل ظهور الغرب كوسيط غير نزيه في تسوية الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي"، وفشل "الرباعية الدولية" على مدى عقود من التوصل الى أي حل للقضية بسبب سيطرة الولايات المتحدة عليها، وانحيازها الاميركيين التام "لإسرائيل".
في النتيجة، وبالرغم من ادعاء الغرب أن بوتين بات معزولاً بعد حرب اوكرانيا، فإن مسار الامور في الشرق الاوسط، خصوصاً بعد الحرب في غزة، سيعيد روسيا للعب دور أكبر في المنطقة، عبر قدرتها على اقتراح حلول تسووية يقبل بها الاطراف المعنيون، تشبه الى حد بعيد "الاتفاق الكيميائي السوري" عام 2013، والذي جنّب المنطقة حرباً كارثية بعد اندفاع الاوروبيين للدعوة الى تدخل عسكري لحلف الناتو في سوريا.