أقلام الثبات
يقال أن من الحب ما قتل، فكيف إذا كان هذا الحب هو من طرف السفيرة الأميركية، ممثلة أطراف الخارج؛ وسمير جعجع ممثلاً أطراف الداخل، فهؤلاء هم أصحاب العواطف المسمومة والحب القاتل، في سعيهم الدؤوب للتمديد لقائد الجيش، العماد جوزاف عون، في موقعه الوظيفي؛ رغم بلوغه سن التقاعد، مقدمة لوضعه على رأس لائحة المرشحين الأقوياء، المتسابقين للوصول إلى كرسي رئاسة الجمهورية في بعبدا.
وتثير الجولات التي قامت بها السفيرة الأميركية دوروثي شيا؛ والضغوط التي تمارسها، لإقرار التمديد لعون حكومياً؛ وإن تعذر فبواسطة المجلس النيابي، الريبة في نفس كل وطني، فاللبنانيون طالما إكتووا من مشاريع اميركا ومن سوء نوايا إدارتها. والأمر سيكون أكثر سوءاً وخطراً عندما يتعلق بالجيش اللبناني؛ وبالأدوار التي ترسم له، بما يناسب الخطط الأميركية والغربية، خصوصاً أن "الدق" يجري على الحامي، والمطلوب أن يماشي لبنان برئاسته المقبلة وبقائد جيشه، الأدوار التي رسمها رعاة الكيان الصهيوني، الذين هرعوا لنجدته وتسكين روعه، فور تعرضه لعملية حركة حماس الفلسطينية البطولية، التي نفذها أبناء الأرض، لتذكير المجتمعين الدولي والعربي، أن هناك شعباً فلسطينياً يعيش في المخيمات خارج ارضه، بعدما طرده الغزاة "الإسرائيليون" منها. ووسط تضامن المقاومة في لبنان بالنار والشهادة، مع غزة واهلها؛ بينما العدو "الإسرائيلي" يدمر مدن غزة ومخيماتها على رؤوس سكانها، وسط صمت عربي وعالمي، تهيمن عليه وتوجهه أساطيل أميركا وتصريحات رئيسها ووزير خارجيته اليهودي الصهيوني أنتوني بلينكن، بات الدور اللبناني المنسجم مع طمأنة "إسرائيل" ورد الأخطار عنها، مطلوباُ بشدة، من ضمن مخطط الضغط على لبنان وشعبه، الجاري منذ سنوات؛ والذي إقتضى إفقاره وتجويعه وإذلاله، لإجباره على الإنضمام إلى طابور الأنظمة العربية، السائرة في ذيل السياسات الأميركية، في تطبيعها لعلاقاتها مع العدو "الإسرائيلي"؛ وتخليها عن قضية فلسطين وشعبها، في مقايضة معروفة ومكشوفة، فحواها حماية تلك الأنظمة المفروضة على شعوبها، مقابل خضوعها لمشيئة أميركا و"إسرائيل" وخدمتها لمصالح الغرب.
ولذلك، فإن تلك المساعي تضر بشخص قائد الجيش اكثر مما تفيده. فالقوى التي تتصدر مطلب التمديد له، هي ذاتها تحضر الأجواء لحرب على المقاومة في لبنان، بوجهين: وجه عسكري لإخلاء الجنوب من كل ما يزعج العدو المحتل ويردع إعتداءاته. ووجه سياسي من خلال العمل والضغط للإتيان برئيس جمهورية يماشي هذا المسعى الأميركي-"الإسرائيلي"؛ ولا يكرر معها مرارة تعاملها مع رئيسين آمنا بالمقاومة لمواجهة "إسرائيل"، هما الرئيس العماد إميل لحود والرئيس العماد ميشال عون. طبعاً، من دون التذكير أن مجرد وجود سمير جعجع، عدو المؤسسة العسكرية وقاتل ضباطها وجنودها، بين جوقة التمديد، هو إساءة بالغة لقائد الجيش.
ومن ضمن تلك المساعي، يأتي تذكر سمير جعجع ومن يماشيه في التبعية للسياسة الأميركية؛ وفي نيل الدعم المالي السعودي، القرار 1701، "فالجار" اللدود الذي يحتل فلسطين ويقتل شعبها بخطر. والمطلوب منع المقاومة من التدخل، لرد العدوان "الإسرائيلي" الذي لم يتوقف يوماً على لبنان؛ ولنصرة الشعب الفلسطيني. وهذا بات مطلباً أميركياً وغربياً ملحاً، "فإسرائيل" كما يقول قادتها غير قادرة على القتال على أكثر من جبهة. والدعوة لتطبيق القرار 1701 مطلوبة على الجانب اللبناني فقط، أما العدو "الإسرائيلي" فهو معفى من تطبيق القرارات الدولية، منذ أن أنشأه الإستعمار البريطاني منذ 75 عاماً، ليكون حاجزاً بين مشرق بلاد العرب ومغربها؛ وحارساً لمصالح الغرب وحامياً للأنظمة العربية التي صنعها ذلك الغرب، كأدواة له تعوض غيابه الشكلي، مع أفول عصر الإستعمار المباشر. ولذلك عندما وقف حزب الله يتصدى لإعتداءات العدو "الإسرائيلي"؛ ويشاغل قواته، رفع جماعة "السلام" مع العدو المحتل أصواتهم مذكرين بالقرار 1701، فيما لم يسمع لهم صوت طوال السنوات الماضية، التي لم يخلو يوم منها من خرق "إسرائيلي" لذلك القرار، برأً أو بحراً أو جواً؛ ومن عدوان على الحدود، أو عملية إغتيال لمقاوم، أومحاولة إغتيال فاشلة، بعبوة جاسوس أو بطائرة مسيرة، أو بقصف سورية من داخل أجواء لبنان ومن فوق ارضه، ناهيك عن التحليق الدائم لطيران هذاالعدو في سماء لبنان بشكل يومي.
وعندما نتحدث عن دور اميركي في التمديد لقائد الجيش؛ أو في إختيار من يخلفه، لا بد من ذكر الوجود العسكري الأميركي والبريطاني في مطار حامات؛ وفي ثكنات وقواعد الجيش اللبناني، تحت ستار التسهيلات المعطاة لهم، من دون تحديد من الذي قرر واعطى تلك التسهيلات، للوجود العسكري الأميركي والبريطاني في لبنان. وكذلك لا يمكن تجاهل الربط المالي الأميركي لقرار الجيش اللبناني، عبر دعم رواتب عناصره بمائة دولار شهرياً لكل عسكري، بحجة الحفاظ على تماسك المؤسسة، التي يخشى إنفراطها نتيجة ضعف تلك الرواتب، بعدما سرق حكام لبنان وأصحاب المصارف أموال الخزينة العامة وأرصدة المودعين؛ وهربوا معظمها إلى الخارج. فمن يأكل خبز السلطان سيضرب بسيفه، ليس ذلك تشكيكاً بالجيش، لكن هذا هو قانون الحياة.
ووزير الحرب الصهيوني غواف غالانت، طالب بإفراغ الجنوب، حتى نهر الليطاني من كل ما يشكل خطراً على الكيان المحتل. وهذا مطلب "إسرائيلي" قديم يتجدد مع كل حرب. وما يرسم من دور للجيش في هذا المجال، يدعو للحذر والتنبه، فلبنان بين خيارين، مهما جرى التلاعب على الكلام، إما خيار المقاومة، أو السير بذل واستسلام مع المشيئة الأميركية و"الإسرائيلية"؛ ورهانات السوء الخارجية والداخلية، تعمل ليلاً ونهاراً على فرض كل ما يفيد "إسرائيل" ويحارب ويلغي وجود من يقاومها.
رهانات السوء تعطل التمديد والترئيس ــ عدنان الساحلي
الجمعة 08 كانون الأول , 2023 10:50 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة