غزَّة.. همجية العدوان وهزالة الحلول ـ أمين أبوراشد

الثلاثاء 05 كانون الأول , 2023 10:18 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لا نتناول مجريات العدوان الصهيوني على غزة من المنظور العسكري، سوى من زاوية تقييم النتائج المحققة على ضوء الأهداف المعلنة للعدو، إذ بعد نحو شهرين من بداية العدوان، وبعد شهرٍ واحدٍ من بدء العملية البرية التي حققت التوغُّل في شمال القطاع وغربه، لم تتحقق السيطرة الأمنية للقوات المنتشرة، بدليل أن منطقة بيت حانون في أقصى الشمال، التي دخلها العدو بعديده وعتاده تحت وابل الطيران والبوارج في اليوم الثاني للهجوم البري، ما زالت بعد اليوم الخامس والعشرين تشهد اشتباكات مع المقاومة الفلسطينية وسقوط قتلى للعدو وتدمير لآلياته، وباتت أنقاض البيوت التي هدمتها همجية الإجرام دُشماً ومتاريس للمقاومة، الى حد وصول عناصرها الى المسافة الصفرية في الاشتباك مع جنود الاحتلال على طول حدود التوغُّل الشمالية والغربية، سواء كانت ألوية المقاومة تعمل من فوق الأرض أو من باطن الأنفاق، مع استمرار رشقات الصواريخ من القطاع على تل أبيب وعسقلان.

ومع بدء الهجوم الصهيوني البري على جنوب القطاع، خصوصاً محور خانيونس، انسحبت نسبة ٧٠% من قوات العدو الى حدود غلاف غزة في الشمال، لعدم قدرتها على التقدم البري في الأماكن السكنية، رغم نزوح أكثر من ٨٠% من سكان شمال غزة الى محيط المستشفيات ومدارس الأونروا، التي لا تقل استهدافاً عن كل أبنية غزة، بما فيها بيوت الصفيح والخيم البلاستيكية، وانكشف الدور العربي العاجز عن إدخال حبة دواء وسيارة إسعاف وجرافة لدعم الدفاع المدني الفلسطيني الذي يرفع أنقاض المنازل بالأيدي لمحاولة إنقاذ روح أو انتشال جثمان، وانكشفت أيضاً المواقف الدولية بكل وجوهها، سواء الحكومية المتواطئة، أو الشعبية المستنكرة لأكبر عدوان همجي في التاريخ المعاصر.

ولو سلمنا جدلاً أن كل سكان غزة البالغ تعدادهم مليونين ومئتي ألف نسمة قد نزحوا، لكنهم ينزحون من غزة الى غزة، ومن بيوت كانت تسترهم الى خيم بلاستيكية في غياب السقف الآمن، مع انهيار سقف كرامة بعض العرب، لكن ماذا بعد، ما دام الفلسطيني صاحب الحق التاريخي متمسكاً بأرضه ولا يرضى استبدال ذرة تراب من غزة بكل رمال صحراء سيناء، وكل الحلول الهزيلة باتت هياكل من رمل، ضمن سلسلة مؤامرات "الترانسفير" لشعبٍ عاش ثمانية عشر عاماً من الحصار الخانق والاعتداءات التي لا تنتهي ويرفض عن أرضه أرضاً بديلة؟

ولو أيضاً سلمنا جدلاً وبات كل سكان قطاع غزة في الجنوب، كي يضمن الكيان الغاصب أمن مستوطناته بمباركة عربية وغربية جزئية، فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المقبل على انتخابات رئاسية، والذي يمتلك مفتاح معبر رفح، ولا يمتلك قرار الفتح والإقفال، يجد نفسه بين مطرقة الشعب الفلسطيني الرافض الانتقال الى سيناء، وسندان الشعب المصري والشارع الانتخابي الذي يراقب أداء الرئيس برفض توطين الفلسطينيين في سيناء.

كما برزت معضلة جماهيرية الرئيس الأميركي جو بايدن، التي تتداعى وهو على أعتاب بدء السباق الى البيت الأبيض في يناير المقبل، مما دفع بوزير خارجيته أنتوني بلينكن في زيارته الأخيرة، الى منح بنيامين نتانياهو مهلة أسابيع لتحقيق الأهداف، بينما الأخير طلب مهلة أشهرٍ "للقضاء على حماس وتحرير الأسرى"، فيما حماس بإمكانياتها المتواضعة وقدسية قضيتها ستقضي على كل مَن لوَّث يديه بدماء الأطفال والنساء، وقد تُقصِي حكاماً عن عروشهم قبل أن ينالوا من هرميتها وقاعدتها الشعبية، رغم فظاعة التنكيل ورغم الحلول المطروحة لنقل سكان القطاع الى إفريقيا، وتحديداً إثيوبيا، أو أوروبا التي تعيش رعب "الإسلاموفوبيا"، وجميع هذه الحلول تبدو هزيلة لأنها مرفوضة من الشعب الفلسطيني.

ونعود الى داخل الكيان الصهيوني، حيث بلغت شعبية نتانياهو وحزب الليكود الدرجات الدنيا غير المسبوقة في الشارع "الإسرائيلي"، لدرجة أن وزير الدفاع يوآف غالانت رفض منذ يومين مشاركة نتانياهو مؤتمراً صحفياً، وقرر الظهور منفرداً، باعتراف نتانياهو نفسه، جاء قرار وزير الأمن القومي العنصري المتطرف إيتمار بن غفير بتشريع تسليح "الإسرائيليين" كما الضربة القاضية على مستقبل هذا الكيان، والبداية كانت منذ ساعات باستقالة رئيس شعبة ترخيص السلاح بوزارة الأمن القومي الصهيوني احتجاجاً على سياسة بن غفير، لأن "إسرائيل" ستتحول الى دولة ميليشيات في الخلافات البينية بين الأحزاب الصهيونية، وإلى كيان فوضوي من السهل على المقاومة الفلسطينية الاصطياد داخله، خصوصاً في المناطق المختلطة عبر عمليات "الذئاب المنفردة".

"الذئاب المنفردة"، هي المعادلة المستقبلية أو الخطة باء للفلسطينيين، وذخيرتهم هي كل تلك الأرواح البريئة التي أزهقت في مجازر القرن، وإذا كانت أحلام نتانياهو إقامة مناطق عازلة في قطاع غزة تنهش ١٠٠ كلم مربع من أصل ٣٦٠ كلم هي كل مساحة القطاع، فإن أوهامه بإقامة منطقة عازلة مع لبنان عبر تهجير سكان بعض القرى الحدودية اللبنانية أوهن، لتأمين عودة ١٢٠ ألف مستوطن صهيوني الى المستوطنات الشمالية، لأن المنطقة العازلة ستكون منطقة الجليل المحتلة لتأمين الحدود اللبنانية ولا عودة للمستوطنين إليها، ومن المُبكر الآن الحديث عن الحرب الإقليمية التي ستدخل خلالها المقاومة الى الجليل، لو استمر هذا الكيان على وتيرة رعونة نتانياهو وجنون اليمين الصهيوني، وبداية حرب كهذه تلوح على سواري السفن المُستهدفة في مضيق باب المندب وعُباب البحر الأحمر...


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل