أقلام الثبات
لم تصمد الهدنة في في قطاع غزة أكثر من أسبوعٍ، والتي وافق عليها الكيان الصهيوني مرغمًا، تحت ضغط الاحتجاجات الجماهرية الضخمة التي عمت العالم بأسره، تنديدًا بحرب الإبادة الصهيونية على غزة والغزيين، التي استمرت نحو شهر ونصف الشهر، من دون أن تحقق أي نتيجةٍ عسكريةٍ أو أمنيةٍ أو سياسيةٍ على الإطلاق، بل تفاجأ العدو ومن يقف خلفه بجهوزية المقاومة في فلسطين ولبنان في الميدان، وقدرتها العالية على الردع، وضرب الأهداف الصهيونية بدقةٍ عاليةٍ في عمق الكيان الغاضب. كذلك الأمر في شأن العمليات التي تنفذها المقاومة في سورية والعراق ضد قوات الاحتلال الأميركي، للضغط على العدو "الإسرائيلي"، لوقف حرب الإبادة على الغزيين.
لا ريب أن هذين السببين المذكورين أسهما في شكلٍ أساسيٍ في دفع الكيان "الإسرائيلي" إلى القبول بالهدنة، بعدما شهد احتجاجات داخلية كبيرة، تطالب الحكومة الصهيونية بإجراء عمليات "تبادل للأسرى" مع المقاومة الفلسطينية. وفي سياق متصلٍ، حالت جبهة المساندة لغزة من جنوب لبنان دون عودة المستوطنين الصهاينة إلى شمال فلسطين المحتلة، ورفضوا دعوات سلطات الاحتلال للعودة إلى "الشمال"، قبل انسحاب "قوة الرضوان" في المقاومة، الأمر الذي دفع السلطات المذكورة إلى التفاوض في شكل غير مباشر عبر وسطاء مع المعنيين في لبنان، لإعادة الوضع في الجنوب اللبناني إلى ما كان عليه قبل 7 تشرين الأول 2023؛ تاريخ إنجاز عملية "طوفان الأقصى"، على أن يتم تحييد جبهة جنوب لبنان عن الوضع الميداني في غزة، غير أن المعنيين رفضوا هذا "العرض الإسرائيلي"، وتمسكوا بحق الدفاع عن لبنان ونصرة الغزيين، بحسب تأكيد مصادر واسعة الاطلاع على مجريات الوضع الميداني. رغم هذه الضغوط القوية التي فرضها محور المقاومة على العدو وخلفه الولايات المتحدة، غير أنه استأنف في الساعات الفائتة حرب الإبادة على غزة، رغم تعثره في الميدان المشار إليه آنفًا، وانعكاس هذا التعثر على الوضعين السياسي والاجتماعي داخل "الكيان"، على اعتبار أن العدو لم يحرر أي صهيونيٍ لدى المقاومة إلا من خلال التفاوض غير المباشر معها ليس إلا.
انطلاقاً من هذه الحقيقة وهذا الواقع، لا ريب أن هناك صعوبةً كبيرةً في أن يحقق العدو في عدوانه المستجد، ما عجز عن تحقيقه في حرب الإبادة التي استمرت على مدى 45 يومًا، فلن يتمكن من القضاء على حركة المقاومة الإسلامية حماس كما كان يدّعي هذا العدو، ولم يستطع أيضًا صد صواريخ المقاومة التي تهز الكيان الغاصب.
إذاً قد يكون هدف العدو من استئناف حرب الإبادة على الغزيين، هو استخدام "الميدان في التفاوض"، أي الاستعداد لتعزيز حضوره وتقوية "أوراقه التفاوضية" في المرحلة المقبلة، أي ما بعد "طوفان الأقصى"، ونتائجها على الوضع في المنطقة، هذه الفرضية قد تكون الأكثر ترجيحًا.
كذلك سيسعى هذا العدو بكل ما أؤتي من قوةٍ لتغيير موازين القوة في فلسطين ولبنان لمصلحته، ومحاولة فرض واقعٍ ميدانيٍ جديدٍ، إذا تمكن من ذلك، ولكن تبقى هذه الفرضية أقل ترجيحًا، بسبب جهوزية المقاومة في الميدان، كما ورد آنفًا، لذا قد تكون هذا الفصل الجديد من حرب الإبادة على الغزيين، هو أكثر إيلامًا مما مضى في الأسابيع الفائتة، للاعتبارين المذكورين آنفًا، أو أحدهما.
وبالانتقال إلى انعكاس الوضع الميداني على الشارع في لبنان، فإن أبرز نتائج العدوان "الإسرائيلي" على جنوب لبنان و"القطاع"، أنه أسقط "المشروع الفتنوي" الذي استهدف النسيج الاجتماعي اللبناني منذ العام 2005، ولا تزال محاولات تمريره مستمرة، لكن من دون جدوى، خصوصًا لجهة إثارة الفتنة بين السنة والشيعة، لشل يد المقاومة.
اليوم يؤكد الشارع السني تمسكه بثوابته الوطنية والعروبية أكثر من أي وقتٍ مضى، وفي طليعة هذه الثوابت "التمسك بدعم حقوق الشعب الفلسطيني"، ولفظ أي فريقٍ أو شخصيةٍ تغرد خارج "السرب السني".