أقلام الثبات
ليس جديداً إرتكاب العدو "الإسرائيلي" مجازر بحق العرب والفلسطينيين، فمنذ زرع هذا الكيان الغريب وسط المشرق العربي؛ وهو يكشف عن طبيعته العدوانية والإجرامية، من كفرقاسم إلى مدرسة بحر البقر إلى قانا وما بينها، من عشرات الجرائم المهولة التي نفذتها العصابة الصهيونية التي تحتل فلسطين، بحق الأطفال والنساء وغيرهم من المدنيين. لكن عملية "طوفان الأقصى" البطولية أخرجت هذا العدو عن طوره، فشن حرب إبادة غير مسبوقة ضد سكان قطاع غزة، وأعمال قتل يومية بحق أهالي الضفة الغربية، إستشهد فيها وجرح عشرات آلاف المدنيين خلال أيام واسابيع معدودة.
كذلك، ليس مجرد حلم أو أمنية تراود كل فلسطيني وعربي شريف، إستعادة فلسطين وتحريرها من هؤلاء الغزاة الأغراب، فالحروب الصليبية إستوطنت في فلسطين طوال 194 عاماً، لكن الدويلات والإمارات التي أنشأها ملوك وأمراء أوروبا، جرى كنسها ولم يبقى منها أثر. وبقيت فلسطين لشعبها وبقي الشرق شرقاً. وهذا يدركه قادة الكيان المحتل ورعاته في الولايات المتحدة ودول الغرب. ولذلك هرعوا باساطيلهم وحاملات طائراتهم، عندما لمسوا أن نظرية الأمن، التي تبقي المستوطن الصهيوني في فلسطين، جرى كسرها على أيدي مجاهدي غزة.
هذا الهلع الغربي في دعم وتغطية الإجرام الصهيوني، لا يكشف فقط أن لهذا الكيان دور وظيفي يؤديه لصالح الغرب، بوجهيه الإستعماري القديم والإمبريالي الجديد؛ ويكشف انه ثكنة عسكرية وظيفتها حماية المصالح الغربية وفرض هيمنتها على بلادنا. ولذلك فإن تعطيل الدور الوظيفي لهذا الكيان، كفيل بجعله عبئاً على رعاته الذين يغذونه بالمال والسلاح والحماية، بل ويزودونه بالجنود من مزدوجي الجنسية، الذين يخدمون في جيوش تلك الدول؛ ويعتبرون جنود إحتياط في جيش العدو؛ والوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، الضابط السابق في جيش العدو، الذي يستقبله المسؤولون اللبنانيون، نموذج عن هذه الحالات.
وإذا كانت بريطانيا هي التي تولت توليد الكيان الصهيوني وتأمين حمايته في سنواته الأولى، فإن فرنسا أعطته القنبلة النووية عام 1956 ووفرت له تكنولوجيا صناعتها، فتشارك الثلاثة في شن العدوان الثلاثي على مصر في ذلك العام، إنتقاما بريطانياً من مصر لتأميمها، بقيادة جمال عبد الناصر، قناة السويس. وإنتقاماً فرنسياً من مصر، لدعمها ثوار الجزائر، في قتالهم لطرد المحتل الفرنسي من بلادهم. ومشاركة من الكيان الصهيوني في قرار الغرب ضرب مصر، لكسرها إحتكار السلاح الغربي؛ وعقدها صفقة تسليح للجيش المصري، بسلاح شرقي من تشيكوسلوفاكية، شريكة روسيا في حلف وارسو السابق. ولذلك كان العدوان على مصر، ليبقى للكيان "الإسرائيلي" اليد الطولى في المنطقة.
والأمر نفسه حدث في عدوان 1967، حيث تكشف وقائع ذلك العدوان، مشاركة الولايات المتحدة فيه، بشكل مباشر، بعدما ضجت الأنظمة العربية الموالية للغرب، من تاثير مصر جمال عبد الناصر على شعوبها. وفي حرب 1973 لم يكن أنور السادات يفشي سراً عندما قال إن من يقاتل "إسرائيل" عليه ان يقاتل أميركا. وبدلأ من الصمود وجعل الوجود "الإسرائيلي" عبئاً على مصالح أميركا والغرب، إستسلم السادات وأخرج مصر من كل أدوارها، بحيث باتت عاجزة ليس فقط عن فتح معبر غزة، لتزويد ناسها بالأدوية والطعام، بل أصبحت مصر عاجزة عن حماية شريان حياتها، في منابع نهر النيل، التي تتلاعب بها اثيوبيا، بدعم من الكيان "الإسرائيلي". وهذا سيكون حال الأنظمة المطبعة مع العدو "الإسرائيلي". وكذلك هو حال السلطة الفلسطينية، التي تقف كالصنم لا صوت لها ولا حراك، أمام المجازر التي يرتكبها العدو بحق شعبها في كل أنحاء فلسطين.
هذا الكيان الغريب، لا حياة له من دون ممارسة وظيفته، في فرض التسلط والهيمنة الغربية على بلادنا. وتردد أن قادة العدو لم يتورعوا عن التهديد باستعمال السلاح النووي، عام 1973، في وجه سورية ومصر، اللتان خاضتا حرباً لتحرير الأرض التي إحتلها العدو في عدوان الخامس من حزيران 1967. وكذلك لم تكن زلة لسان، تهديد أحد وزراء حكومة نتنياهو، بقصف غزة بالسلاح النووي، إثر عملية طوفان الأقصى.
وإذا قارنا الرد "الإسرائيلي" على غزة وأعمال القتل اليومية في الضفة الغربية، مع الردود المحدودة للعدو، على مؤازرة المقاومة في لبنان، للمقاومة في غزة، نجد أن قوة الردع المتوفرة في الجانب اللبناني، وحدها توقف الإجرام "الإسرائيلي" عن دمويته. وردعها هذا العدو ومنعها له من ممارسة جرائمه، جعلت وزير خارجية أميركا يضغط على قادة الحرب الصهاينة، لعدم توسيع الرد على لبنان. فهذا الكيان المصطنع، نموذج عما سبقه من حروب إستيطانية. والإستيطان الفرنسي في الجزائر، وإعلان فرنسا أن الجزائر فرنسية، ووجه بمقاومة شعبية جزائرية، ضحت بملايين الأرواح، لكنها كنست الوجود الفرنسي ومستوطنيه بعد 130 سنة من الإحتلال. على عكس أميركا، التي نجح الغزاة البيض، في إبادة شعبها الهنود الحمر. ولذلك، فإن فلسطين وشعبها يتحركون بين خياري التجربتين الأميركية والجزائرية. وبينما تدفع السلطة الفلسطينية والمطبعين من الحكام العرب، بلادهم وشعوبهم نحو مصير الهنود الحمر. فإن عملية "طوفان الأقصى" سلكت الطريق الجزائرية، مدركة أن مواجهة العدو ومحاصرته وردعه وتدفيعه ثمن عدوانيته، سيعطل وظيفته ويجعله يتفكك، بأكلاف مهما غلت، تبقى أقل حجماً من أكلاف نجاح مشروعه. وبالتالي، فإن كل موقف سلبي من هذا العدو، هو مقاومة تراكم خسائره. وكل موقف إيجابي منه وتطبيع معه، هو خيانة، لأنه يطيل عمره ويخدم وظيفته التي وجد لأجلها. والمقاومة تكتب نهاية هذا الكيان، فيما التطبيع يخدم مشروعه.