مقالات مختارة
بعد 48 يوماً من العدوان الهمجي على غزة، وافق الكيان الصهيوني مجبراً على هدنة مؤقتة لمدة 4 أيام، يتم خلالها تبادل 50 من الأسرى الإسرائيليين مع 150 من المعتقلين الفلسطينيين، على أن يساهم ذلك في تبادل أشمل بين الطرفين برعاية مصرية-قطرية-أميركية أثارت العديد من التساؤلات، إذ إن قطر ومصر حليفتان استراتيجيتان لواشنطن، في الوقت الذي ترى واشنطن في الكيان الصهيوني الحليف الأوحد فيما تعدّ الآخرين توابع.
وحتى إذا تذكرنا التحالف الاستراتيجي بين الشيخ تميم آل ثاني والرئيس إردوغان وهو ما يضع أنقرة على خط الوساطة؛ لما لإردوغان من علاقات وطيدة مع قيادات حماس، فالجميع يتذكر الفتور والتوتر بين أنقرة وكل من "تل أبيب" وواشنطن؛ بسبب تصريحات إردوغان النارية ضد نتنياهو وإرهاب الكيان الصهيوني، حتى وإن لم يقدم على أي خطوة عملية ضد هذا الكيان الذي تربطه بتركيا علاقات مثالية في جميع المجالات، على الرغم من حملات الإعلام الموالي لإردوغان ضد "إسرائيل" والصهيونية، بل وحتى الشعب الإسرائيلي المتصهين دينياً.
ومع التذكير بتصريحات رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم في تشرين الأول/أكتوبر 2017 في ما يتعلق "بالتنسيق والتعاون والعمل المشترك بين بلاده والسعودية وتركيا وأميركا لإطاحة الرئيس الأسد في سنوات ما يسمّى بـ"الربيع العربي"، يدرك الجميع أهمية الوساطة القطرية بين طالبان وواشنطن التي قررت الانسحاب من أفغانستان في آب/ أغسطس 2021 بعد احتلالها لمدة عشرين عاماً.
كما تم احتلال العراق في آذار/مارس 2003 عبر هاتين القاعدتين المهمتين جداً بالنسبة إلى أميركا، ولها في جميع دول المنطقة بما فيها تركيا، العضو في الحلف الأطلسي، ما يكفيها من القواعد ومهمتها الأهم هي حماية الكيان الصهيوني ضد أي "خطر مصدره إيران ودول وقوى المقاومة.
ومع التذكير بالتنسيق والتعاون السعودي -الإماراتي -الباكستاني مع واشنطن في أفغانستان وما نتج منه من تشكيل طالبان وإيصالها إلى السلطة في كابول 1995 فالجميع يتذكر المنافسة القطرية مع أبو ظبي والرياض لكسب ودّ واشنطن ورضاها، وهو ما كاد أن يؤدي إلى مواجهة ساخنة بين هذه الدول في حزيران/ يونيو 2017 مع دخول القاهرة والمنامة بل والخرطوم على خط هذه المواجهة التي دفعت إردوغان إلى إرسال جيشه إلى قطر لحماية آل ثاني.
ويعرف الجميع كيف أن هذه الأنظمة لعبت دوراً أساسياً ومحورياً في التآمر على سوريا وتعليق عضويتها في الجامعة العربية، وتمويل كل الفعاليات والأنشطة العسكرية والاستخبارية ضد دمشق وعبر تركيا باعترافات حمد بن جاسم الذي كان هو وأميره السابق حمد بن خليفة آل ثاني ومعهما الرئيس إردوغان ووزير خارجيته السابق أحمد داود أوغلو من أقرب المقربين إلى الرئيس الأسد.
وعودة إلى الهدنة التي دفع الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية ثمنها غالياً جداً، بسبب تواطؤ الأنظمة العربية والإسلامية، وتآمرها الذي لا يزال مستمراً بشكل مباشر أو غير مباشر كما هي الحال في تهرب مصر من تقديم أي دعم مباشر للشعب الفلسطيني في غزة، فالبعض يتحدث عن سيناريوهات عديدة عن مستقبل القضية الفلسطينية، وبشكل خاص الوضع في غزة، مع استمرار دعم واشنطن لكل من الحليفين السيسي وآل ثاني، اللذين تجاهلا معاً مجازر الكيان الصهيوني طوال 47 يوماً.
وكأنهما وآخرين أرادوا أن يساعدوا هذا الكيان على تجاوز أخطر أزماته منذ قيامه عام 1948 ليس فقط عسكرياً وسياسياً، بل دينياً واجتماعياً ونفسياً بعد الهزيمة المدوّية التي مُني بها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وفشله الذريع في اجتياح غزة، على الرغم من تفوقه العسكري المدعوم إمبريالياً واستعمارياً.
فهذه الهزيمة دفعت أكثر من 300 ألف يهودي إلى الهرب من "إسرائيل" والعودة إلى الدول التي جاؤوا منها، كما منعت أي يهودي من أن يفكر في الهجرة إلى "إسرائيل" من أي دولة أجنبية، وهو ما يعني سقوط نظرية "أرض الميعاد" الصهيونية، ومن دونها لا يمكن للكيان الصهيوني أن يستمر.
وبعد أن تبيّن للجميع أن عسكر "إسرائيل" جبناء يتهربون من أي مواجهة مباشرة مع مقاتلي حماس وحزب الله وأخيراً أنصار الله، الذين أثبتوا للجميع وللصهاينة أنهم عظماء في الشجاعة والإيمان وهما صفتان كافيتان للقضاء على هذا الكيان برمته، مهما كان دعم الأنظمة العربية والإسلامية له بشكل مباشر أو غير مباشر كما هي الحال الآن.
ويبقى السؤال الأخير في نهاية المطاف عن حسابات الدوحة في هذه الهدنة التي تريد من خلالها أن تثبت "أولويتها في الحسابات الأميركية"، إقليمياً ودولياً، بعد فشل واشنطن في إبعاد الرياض عن موسكو وبكين وقليلاً طهران التي تراقب كل هذه المعادلات من كثب، وتريد لها أن تخدم حساباتها المتعلقة بالقضية الفلسطينية أولاً.
وأثبتت التطورات الأخيرة أن هذه القضية هي سبب ونتاج كل الأحداث التي عاشتها المنطقة خلال 100 سنة ماضية، ولكن بشكل خاص خلال ما يسمى بـ"الربيع العربي"، وراح أكثر من مليون إنسان ضحية له، فلو قاتلوا في فلسطين لما بقي فيها الآن أي صهيوني.
وربما لهذا السبب تآمر الجميع ضد خط الدفاع الأول عن فلسطين وهو سوريا ولبنان ومن خلفهما إيران، وأثبت اليمن بمواقفه الأخيرة أنه خط الدفاع الثاني عن هذه القضية التي يعرف الجميع أنها تزعج الأنظمة الخليجية جملة وتفصيلاً، على الرغم من الخلافات الظاهرية ذات الطابع المسرحي بين حكامها في الرياض وأبو ظبي والدوحة سراً كان أم علناً.
فعلى سبيل المثال، لماذا لم تكن الإمارات ذات العلاقة المميزة مع مصر والكيان الصهيوني هي الوسيط بدلاً من قطر. ثم لماذا لم تبدِ قطر إن كانت صادقة في موضوع غزة وفلسطين أي نية جدية على طريق تغيير سياساتها ومعها تركيا في سوريا، واستمرار الوضع فيها لا يخدم سوى حسابات الكيان الصهيوني. ولماذا لم تحرك كل هذه الدول ومن معها في المنطقة ساكناً لمنع العدوان الإرهابي على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، ووقفت موقف المتفرج حيال مقتل الآلاف من الأطفال والنساء والعزل؟
والجواب قد يكون أن حكام هذه الأنظمة جبناء متواطئون جينياً وحتى العظم، وهم بارعون في التمثيل في مسرحية الشرق الأوسط الكبير، و"الربيع العربي" والاتفاقيات الإبراهيمية، والآن ومن جديد أكذوبة السلام في غزة وفلسطين.
فعسى أن يكون الجميع قد تعلم منها الكثير حتى لا يلدغوا من جحرهم مرة أخرى بعد أن أثبت الشعب الفلسطيني أنه الوحيد وبدماء شهدائه الأبرار ومن معهم من الشرفاء هو فقط الذي سيحدد شروط هذا "السلام" ومعاييره ومقاييسه كي لا يكون كسابقاته التي كانت دائماً على حساب هذا الشعب ومن كان ولا يزال معه.
حسني محلي ـ الميادين
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً