بعد انتهاء الحرب على غزة.. هل سيعود مستوطنو الشمال إلى مستوطناتهم؟

الجمعة 17 تشرين الثاني , 2023 09:49 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

في رسالتين متناقضين؛ واحدة من الدكتور غسان أبو ستة، وهو جراح فلسطيني بريطاني تطوع للعمل في غزة في جميع الحروب التي خاضتها، طالب فيها المجتمع المؤيد لغزّة وفلسطين ببدء الاستعداد لليوم الأول بعد الحرب، فالهدف الصهيوني كان جعل غزّة مكاناً غير صالح للسكن تسهيلاً لهجرة سكانها.

الرسالة الثانية كانت لمراسل "القناة الـ13" الإسرائيلية من مستوطنة كريات شمونة في شمالي فلسطين المحتلة، إذ قال معلقاً على وضع مستوطنات الشمال الفلسطيني: "لا أعرف كيف سيعودون إلى هنا بعد ما حدث في الجنوب. ثمة كثير من الأسئلة، التي لا نملك أجوبة عنها الآن". هذه الأسئلة تدور، من دون شك، في عقل القيادة الصهيونية وداعميها. منظر المستوطنين يهرعون إلى المطارات لمغادرة الكيان إلى بلدانهم الأصلية، وأزمة اللاجئين من سكان مستوطنات الشمال والجنوب، يجعلان هذه الأسئلة أكثر إلحاحاً.

ماذا سيحدث في اليوم الأول بعد وقف الحرب على غزّة؟

بالنسبة إلى العدو، يدور الحديث عن مستوطنات غلاف غزة التي أصبحت عنواناً لنشرات الأخبار في كل مكان في العالم، وعددها 50 مستوطنة، تبدأ من عمق 7 كم عن حدود القطاع، وتمتد على مسافة 40 كم حول القطاع المحاصر. تبلغ المساحة الإجمالية لهذه المستوطنات 735 كيلومتراً مربعاً، أي نحو ضعف مساحة قطاع غزة، وتتوزع على ثلاثة مجالس إقليمية" أشكول (380 كيلومتراً مربعاً)، أشكلون (175 كيلومتراً مربعاً)، وشاعر هنغيف (180 كيلومتراً مربعاً). هذه المساحة فارغة تماماً من المستوطنين، بعد أن أثبتت عملية طوفان الأقصى أن المقاومة قادرة على احتلالها، وليس فقط قصفها بالصواريخ وقذائف الهاون. 

هل سيعود المستوطنون إلى تلك المستوطنات؟ سؤال مهم يدور في أذهان من يخططون وينفذون هذه الحرب. في حال عدم عودتهم، أو عدم عودة معظمهم، إلى أين يمكن نقلهم؟ فالوسط غير قادر على تحمل مزيد من المستوطنين، وخصوصاً في الضفة الغربية، حيث يتصاعد التهديد الأمني المرتبط بزيادة عمليات المقاومة والمواجهات بين جيش الاحتلال ومقاومي الضفة.

والحال لا تتباين كثيرا في شمالي فلسطين، فعلى طول 75 كم، وبعمق نحو 7 كم، تمتد مستوطنات الشمال الفلسطيني في مقابل الحدود اللبنانية، وفي مدى صواريخ المقاومة، الأمر دفع الكيان إلى إفراغها مع بداية معركة طوفان الأقصى، الأمر الذي يعني تحويل نحو 120 ألف مستوطن إلى لاجئين انتقلوا إلى وسط فلسطين، وهو ما يعمّق الازمة الاجتماعية التي يعانيها الكيان.

لا يمكن لنا إلّا ملاحظة غياب الحديث عن ظروف هؤلاء اللاجئين عن وسائل الإعلام، التي تكتفي بأخبار عامة من دون الذهاب إلى سماع قصص الحالات الفردية، التي تصنع الحدث، وترفع نسبة المشاهدات، وتشكل ضغطاً إضافياً على حكومة الاحتلال.

بدلاً من طرح المشكلة الحقيقية، يطرح قادة حكومة الاحتلال تساؤلات عن مرحلة "ما بعد حماس"، في هروب إلى الأمام من الواقع الذي أفرزته معركة طوفان الأقصى. بين الهجرة المعاكسة، وإقناع المستوطنين بالعودة إلى مستوطنات الشمال والجنوب، وسقوط احتمالات السلام الموهوم الذي غذّته دول غربية وعربية خلال الأعوام الماضية، يبدو أن الكيان يتجه نحو أزمة بنيوية جديدة تضاف إلى سلسلة أزماته.

بالنسبة إلى الجانب الفلسطيني، رسخت المقاومة حقيقة عدم قابليتها للهزيمة أو تفكيك بنيتها العسكرية، ولم يبق أمام العدو سوى تحويل قطاع غزّة إلى مكان غير صالح للسكن، كما أشار الدكتور غسان أبو ستة.

هذا الإجرام، الذي ترتكبه عصابات الاحتلال، هدفه دفع جزء كبير من سكان غزّة إلى الهجرة، والفصل بين المقاومة وحاضنتها الشعبية. وإعادة الإعمار الموعودة، على أيدي أنظمة رفضت طوال المعركة دعم المقاومة أو اتخاذ أي إجراء عملي يخفّف معاناة المدنيين الذين تعرضوا لجرائم موصوفة، هذه الوعود ليست في معظمها سوى جزء من المؤامرة، التي تضع الدمار، الذي سببته الحرب، في مقابل الإعمار الذي سيأتي من الوساطات والاتفاقيات التي تعقدها الأنظمة المطبعة مع العدو.

الإعمار المطلوب يكون وفق شروط المقاومة وإشرافها، وعلى نحو يحقق استمرارها. هذا الإعمار لن يحدث إلا بدعم من الجماهير الموجودة اليوم في الشوارع للاحتجاج. لا يجوز العودة إلى حالة الاسترخاء بعد توقف العمليات العسكرية. الحرب الحقيقية تبدأ بعد سكوت المدافع. حرب تثبيت السكان، ودعم المقاومة.

هذه الحرب مسؤولية تُلقى على عاتق القوى والهيئات والأحزاب الوطنية الداعمة للمقاومة لتعمل، عبر كل الوسائل، بين جماهيرها ومن خلال علاقاتها الدولية، ولتساهم في إعادة إعمار وسائل الحياة في غزّة، وخصوصاً قطاعي التعليم والصحة. 

الاستمرار في حملات المقاطعة، وتحويلها من رد فعل إلى اسلوب للحياة، وجزء من الفعل المقاوم، يعززان دور الجماهير في المعركة. حملات التبرع الشعبية في جميع المدن العربية قادرة على توفير جزء مهم من تكاليف عملية إعادة الإعمار، وقد يكون من الضروري إطلاق "الحملة الشعبية العربية لإعادة إعمار غزّة".

لا بدّ من مواجهة العدو، الذي يعلن النصر بتدمير المستشفيات والمدراس، ولا بد من هزيمته، عبر إعادة بناء هذه المؤسسات وتشغيلها، على نحو يخدم المواطنين في غزّة. الدم، الذي بُذل في غزة والضفة الغربية وجنوبي لبنان، لن يذهب سدى إذا استطاعت الجماهير دعم المقاومة في غزّة، لتبقى شوكة في حلق الاستعمار وحلوق حلفائه، وتصنع مزيداً من الانتصارات.

 

عماد الحطبة ـ الميادين

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل