حرب غزة الإعلامية في عصر "ما بعد الحقيقة" ــ د. ليلى نقولا

الإثنين 13 تشرين الثاني , 2023 08:48 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

انتشر في الغرب منذ عام 2016 مفهوم جديد، عنوانه "ما بعد الحقيقة"، وهو مفهوم أتى ليعكس التحولات السياسية وحملات الإعلام في ذلك العام، خصوصاً تلك التي أدّت إلى وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، وصعود اليمين في أوروبا بشكل غير مسبوق.

ويعرّف قاموس أكسفورد هذا التعبير بأنه مفهوم يشير إلى السياق أو وصف الظروف "التي تصبح فيها الحقائق الموضوعية أقل تأثيراً في تشكيل الرأي العام من الشحن العاطفي والمعتقدات الشخصية".

وتأكيداً على أننا بتنا نعيش في عصر ما بعد الحقيقة، كشفت حرب غزة هذا العام، الكمّ الهائل من التزييف والادعاءات والمزاعم، خصوصاً في الخطاب "الاسرائيلي"، الذي يحاول ترويج قصص لا أساس لها من الصحة؛ كما في قصة 40 طفل مقطوعة رؤوسهم، والتي أكدها الرئيس جو بايدن، ثم عاد "الاسرائيلي" ليتراجع عنها بعد فضحها.

طبعاً، "الاسرائيلي" يتوجه الى العقل الداعم له، خصوصاً الغربي، مركزاً على سيطرة العواطف والتصورات الشخصية على حساب الحقائق الموضوعية، بما أننا بتنا في عصر الغرائز وما بعد الحقيقة. فمنذ بداية الحرب، يستمر "الاسرائيلي" في نشر القصص المزيفة، والتي سرعان ما يتم فضحها، فيسحبها من التداول بدون اعتذار، وكان آخر هذه القصص فيديو لما قيل إن ممرضة في مستشفى الشفاء تتهم حماس بالاستيلاء على المواد الطبية، وتدعو الجميع للهروب من المستشفى، بالإضافة إلى العديد من الأفلام التي نشرتها مواقع رسمية "اسرائيلية" ثم عادت وحذفتها، بعد كشفها من قبل الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.

تاريخياً، كان "الاسرائيلي" الذي أتى الى منطقتنا في منتصف القرن العشرين، أكثر ثراءً وعلماً وقدرة سياسية وإعلامية، وعلى استخدام أساليب العصابات والارهاب، وقدرة على الوصول الى العقل الغربي من شعوب هذه المنطقة، فاستخدم أسلوب الحرب النفسية والصدمة والترويع، وسوّق لدى الغرب عبارة "شعب بلا أرض، لأرض بلا شعب"، واستطاع أن يقنع العالم بأن اليهودي القادم الى الشرق الاوسط للاحتلال، هو ضحية، وأن الفلسطيني والعربي هو "إرهابي" و"متخلف"، ولا يستحق الدعم.

أما اليوم فإن الامور تغيّرت، وفتحت وسائل التواصل الاجتماعي المجال للعرب لإيصال صوتهم الى العالم، وكشف زيف الادعاءات "الاسرائيلية"، وكان انكسار الاحتكار الغربي لوسائل الاعلام نعمة للشعوب المظلومة التي غاب صوتها في الاعلام التقليدي في الغرب.

وعليه، وبما أن الحروب الاعلامية لا تقل أهمية عن الحروب العسكرية، فإن المطلوب اليوم، من العرب ومن مناصري قضية فلسطين، الالتزام بما يلي:

- ممارسة حرب نفسية على "اسرائيل" وداعميها ومجتمعها، لكن مع التحلي بالمصداقية وعدم الوقوع في فخ التباهي والتطبيل وخلق انتصارات وهمية.

- إظهار صور المجازر والضحايا، لكشف العدوانية "الاسرائيلية" وفضح ممارسات الاحتلال، على أن تكون موجّهة للعالم لدعم القضية، وبدون أن تؤدي هذه الى تخويف الناس، وعدم تحقيق الهدف "الاسرائيلي" بالتيئيس، ودفع الناس الى الاستسلام والقول إن كلفة المقاومة عالية جداً.

- الانتباه الى الحسابات المشبوهة، والانتباه لئلا يقوم الانسان (بحسن نية) بتسويق سردية العدو، والترويج لها.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل