معادلة "مدني مقابل مدني" هي الخيار، مع "شعب الله المختار"... ـــ أمين أبوراشد

الثلاثاء 07 تشرين الثاني , 2023 11:34 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

ربما يكون وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن جريئاً في مهمته الى حدود الوقاحة، أو أن الساسة العرب ومن ضمنهم وزراء الخارجية الذين التقاهم خلال جولتين متتاليتين، ضعفاء حد الهزالة، ويتهيبون حضور أي "إفرنجي" خاصة إذا كانت جيناته يهودية على صهيونية على أميركية.

وإذا كان الجانب الفلسطيني قد غاب عن لقاء عمَّان مع بلينكن في زيارته الثانية، فقد عاد الأخير وقرر زيارة الرئيس محمود عباس في رام الله ليُشيد بدوره في "ضبط الضفة الغربية"، فيما الإبادة الإجرامية التي تُرتكب في القاطع الآخر من فلسطين حيث قطاع غزة، غير مسبوقة ولم يعرف التاريخ المعاصر لها مثيلاً، ونالت الضفة الغربية نصيباً منها.

حركة أنتوني بلينكن المُغطاة بعنوان محاولة إحداث هُدَن، وإدخال مساعدات إنسانية الى غزة، هي الأخطر على الشعب الفلسطيني على الإطلاق، وهي أخطر من مئات طائرات شحن الأسلحة، وعشرات سفن العتاد التي ترسلها أميركا الى الكيان الصهيوني بعد إقرار الكونغرس حزمة مساعدات تتجاوز ثلاثة عشر مليار دولار، وحركة بلينكن تبدو بقوة ألف حصان إذا ما قورنت بحركة العرب التي لا تتجاوز حصان ونصف، خاصة بعد عجزهم عن إدخال جرعة دواء وكسرة خبز ونقطة وقود عبر معبر رفح ذا السيادة المصرية ــ الفلسطينية!

لقد ضَرَب بلينكن علناً، إسفين التفرقة بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وبين حماس في قطاع غزة، وصدرت تصريحات أميركية واضحة حول استعداد حركة فتح عبر الرئيس محمود عباس استلام زمام الحكم على قطاع غزة بعد قضاء "إسرائيل" على حركة حماس، بما يعني، المزيد من التمزيق للقوى والفصائل الفلسطينية منذ اكذوبة "أوسلو" التي جعلت من رئيس السلطة الفلسطينية مجرد مختار في رام الله، بينما المطلوب بعد هذه الملحمة من المواجهات في غزة، قيادي فلسطيني وطني، قادر على توحيد الفلسطينيين، وعلى الجلوس الى طاولة مفاوضات "الدولتين" التي يجب أن تضمن الحد الأدنى من مطالب الفلسطينيين بعد كل هذه التضحيات المؤلمة.

ولقد سبق لرئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إيهود باراك، أن لجأ لأسلوب التفرقة بين الفلسطينيين بهدف التهرُّب من مفاوضات تحقيق حلّ الدولتين وتساءل حرفياً: مع مَن نتفاوض من الفلسطينيين طالما لديهم سبعة عشر فصيلاً متناحراً، إذا وافق هذا الطرف على أمرٍ ما عارضه الآخرون؟

هنا تكمن مهمة أنتوني بلينكن والإدارة الأميركية الآن، بتوافق كلِّي مع "عرب الاعتدال"، المزيد من التمزيق للقرار الفلسطيني بهدف تكبيد حماس ثمناً سياسياً، خاصة في حال العجز عن هزيمتها عسكرياً عبر القضاء على بنيتها الأساسية في القطاع، وتسليم الأمر لمَن يوالي أميركا ويعود الى بدعة أوسلو، وموافقة السلطة في رام الله، إن حصل عليها بلينكن، ستبقى كلامية لا قيمة لها على أرض الواقع سوى المزيد من الخسارة المعنوية لوحدة الفلسطينيين حول جوهر قضيتهم مع هكذا عدو عنصري.

وإذا كان العرب يقفون في صفوف المتفرجين أو المنددين لا فرق، فإن محور المقاومة يقرأ الانقسامات في الداخل الإسرائيلي التي تكاد تطغى على الانقسام الفلسطيني، هذا الانقسام الصهيوني حاصل قبل وخلال وبعد هذا العدوان على غزة لأنه إيديولوجي عميق.

ليس الانقسام بين يهود "إسرائيل" مقتصراً على التموضعات السياسية من أحزاب أقصى اليسار الى الوسط وصولاً الى أحزاب أقصى اليمين المتطرفة والأكثر عنصريةً، ولا هو بين الحريديم المتدينين والعلمانيين، بل هو في قلب شريحة "السابرا" بين الأشكيناز والسفارديم.

"السابرا" الذين يشكلون 75% من يهود "إسرائيل" الحاليين وهُم من الجيلين الثاني والثالث، الذين ولدوا فيها من أب يهودي، لكن أصولهم تعود إلى الأشكيناز الذين قدموا لتأسيس الكيان من الأميركيتين وأوروبا وروسيا، وهؤلاء هم الغالبية الطاغية على الحياة السياسية والاقتصادية في هذا الكيان، بينما السفارديم فهُم يهود الشرق، الذين قدِموا من آسيا وإفريقيا ويعتبرون من الدرجة الثانية في المُواطَنة، ويُعاملهم الأشكيناز بعنصرية استكبارية، ولا يقبلون اختلاط الدماء معهم لا بالزواج ولا حتى عند الحاجة الى متبرعين بالدم، ولا تقل عنصرية الأشكيناز ضد السفارديم عن تلك التي يعاملون بها العربي والإفريقي، إلا إذا لامست الأمور وحدة الدين اليهودي التي تطغى على ما عداها خاصة في مواجهة العرب.

هذه الوحدة اليهودية لجماعات جاءوا من مختلف الأصقاع الى ما يعتبرونها "أرض الميعاد"، وشجعتهم الحكومات الصهيونية المتعاقبة على التزايد، عبر الاستيطان المُرفَّه على حساب الفلسطينيين وأرضهم وأرزاقهم، هذه الجماعات انتصرت لحقبة من الزمان بعنصريتها اليهودية على أبناء القومية العربية الواحدة، الى أن كان العام 2000 وتلاه العام 2006، واختبرت المقاومة في لبنان عبر "الحمض النووي اليهودي" أنهم لا يخافون سوى على جِلدهم، وفعلاً جَلَدتهُم هذه المقاومة العظيمة، ضمن منطق مدينة مقابل مدينة ومدني مقابل مدني، حتى أسست بمواجهتهم معادلة توازن الرعب التي أجاد سماحة السيد حسن نصرالله صياغتها وصناعتها.

"مدني مقابل مدني" التي أعاد السيد نصرالله تكرارها في إطلالته الأخيرة، هي الآن بمتناول المقاومة الفلسطينية، سواء عبر الأسرى الموجودين لديها أو الذين ستتمكن من أسرهم أو إسقاطهم لاحقاً في معارك المواجهات داخل قطاع غزة، وهذه هي المعادلة الوحيدة الناجحة الناجعة مع هذا العدو العنصري، وهي الخيار الوحيد الأوحد مع مَن يعتبر نفسه زوراً أنه "شعب الله المختار"..


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل