أقلام الثبات
صمت الكثيرون كالأصنام، أمام الإستهتار الأميركي والأوروبي بمشاعر الفلسطينيين والعرب والمسلمين ومصالحهم، عندما أعلنت الولايات المتحدة الأميركية وكل من بريطانيا، المانيا، فرنسا، إيطاليا وكندا، تبنيها الكامل للجرائم "الإسرائيلية" بحق الشعب الفلسطيني؛ واعتبارها الإحتلال "الإسرائيلي" لفلسطين ولأراض عربية؛ وقتلها وتنكيلها بكل من يمارس المقاومة المشروعة للإحتلال "دفاعاً مشروعاً عن النفس".
وليس غريباً على من مارس القتل والإبادة، بحق شعب الهنود الحمر؛ وبحق الشعوب التي جرى إستعمارها في آسيا وافريقيا، أن يعتبر الغزو الصهيوني لفلسطين وإحتلالها، مع أراض لدول عربية مجاورة لها، أمراً مشروعاً. لكن الغريب أن تركن شعوب وحكومات الدول العربية والإسلامية المستهدفة بهذا العدوان، إلى صداقة حكومات وأنظمة وحكام تلك الدول المجرمين، الذين أسقطوا بمواقفهم، قناع الإنسانية عن وجوههم؛ وكشفوا زيف وكذب شعاراتهم عن حقوق الإنسان وعن العدالة الدولية وشرعة الأمم المتحدة؛ وحق الشعوب في الحياة والعيش بكرامة.
دب الرعب في نفوس حكام تلك الدول، عندما فوجئوا بأن الكيان الذي صنعوه ليكون خنجرا في صدر العرب، يفصل مشرقهم عن مغربهم؛ ويمنع وحدتهم وتطورهم؛ ويستهلك جهودهم ومواردهم؛ ويتيح للغرب بوجهه الإستعماري القديم والجديد، أن يواصل نهب خيراتهم وثرواتهم، فإذا به ينهار أمام بضع مئات من رجال المقاومة الفلسطينية، الذي دخلوا إلى أراضيهم المحتلة وانقضوا على عدوهم، فإذا هو أوهن كثيراً من بيت العنكبوت.
وليس سهلاً التصديق أن رئيس الولايات المتحدة ووزيري دفاعه وخارجيته، هرعا مباشرة، بعد ساعات على عملية "حماس" البطولية والشجاعة، إلى فلسطين المحتلة ليطمئنا قادة كيان الإحتلال إلى دعمهم للاشرعيته؛ وتقديمهم لهم كل أنواع الدعم، من عشرات مليارات الدولارات، إلى شحنات الأسلحة، إضافة إلى إرسالهم البوارج وحاملات الطائرات الأميركية والأوروبية، مع التهديد الصريح بأنها ستستهدف كل من يوسع نطاق الحرب على هذا العدو، الذي يحتل فلسطين ويهدد حاضر شعوب المنطقة ومستقبلها؛ وستحميه من كل إستهداف. كما حضر ضباط من القيادة المركزية الأميركية إلى عاصمة الكيان، ليديروا معركته ويهدئوا من روع قادته المنهارين.
حتى رئيس وزراء بريطانيا، التي إحتلت فلسطين بحكم الإنتداب؛ ثم أعطتها للحركة الصهيونية، أسرع إلى الكيان الذي صنعته دولته على حساب الشعب الفلسطيني، راكباً طائرة محملة بالسلاح. بل حتى المانيا النازية التي إرتكبت مجازر بحق اليهود، تريد أن تعوضهم من مال فلسطين، فتنضم إلى الجوقة الأميركية والبريطانية في حماية الكيان "الإسرائيلي" غير الشرعي؛ ومعها إيطاليا وريثة فاشية موسوليني؛ وفرنسا المتنكرة لشارل ديغول، صاحب الموقف المشرف ضد العدوان "الإسرائيلي" على الدول العربية عام 1967.
كل ذلك جرى للقول، أنه ممنوع على العرب والمسلمين مقاتلة العدو الذي يحتل بلادهم ويهدد وجودهم. وأن عليهم أن يكونوا على مثال أنظمة الخيانة والإستسلام، التي طبعت علاقاتها مع هذا العدو؛ وباعت حاضر شعوبها وتاريخها ومستقبلها، لقاء حماية التحالف الأميركي- الغربي لكراسي حكام تلك الأنظمة من غضب شعوبها.
وإذا كان من غير الطبيعي وغير الممكن، شن حرب على تلك الدول، فإن الحد الأدنى المطلوب أن تفعله شعوب وأنظمة الدول العربية خصوصاً والإسلامية عموماً، التي لديها حس الكرامة وشيء من الإستقلالية، هو وقف التعامل مع الدول المعتدية؛ وطرد مصالحها وشركاتها وسفاراتها من البلاد العربية والإسلامية، لأن وجودها بات إحتلالاً علنيا ومتعدد الأوجه لبلادنا، طالما هي تدعم العدو الذي يحتل ارضنا. فهذه كوبا التي لا تمت إلى العرب والمسلمين بصلة، لا تعترف بوجود الكيان الصهيوني. ومثلها رئيس بوليفيا يقطع علاقات بلاده مع الكيان الشرير؛ وتشيلي وكولومبيا تستدعيان سفيريهما في فلسطين المحتلة، في أول بوادر رد فعل البلدان المستقلة حقيقة عن التبعية لأميركا والغرب، على مجازر "إسرائيل" في المناطق الفلسطينية المحتلة.
وفي لبنان تحديداً، آن الأوان لوقف العلاقات الخاصة مع تلك الدول وطرد سفاراتها؛ ووضع حد لتسلط السفيرة الأميركية على أشباه الرجال من الساسة والحكام. ورفض التسهيلات المعطاة للجيش الأميركي، في قواعد وثكنات الجيش اللبناني. وكذلك حفظ كرامة جيشنا وجنوده؛ وعدم تحويلهم إلى "إنكشارية" أميركية، مقابل مائة دولار أميركي لكل عسكري شهرياً. لأن "من يأكل خبز السلطان عليه أن يضرب بسيفه". والإتجاه نحو إصلاح الدولة وبناء نظام إنتاجي يكفي البلاد شر التبعية، فالكرامة الوطنية والوفاء للأوطان تحتم مقاومة المحتل وتقديم التضحيات؛ وليس الإستماع إلى أصوات النشاز ومدعي السيادة وسماسرة السياسة، في رفضهم لمقاومة الذل والتبعية والاحتلال.