"طوفان الأقصى" يترك ندوباً كبيرة في الاقتصاد "الإسرائيلي"

الأربعاء 01 تشرين الثاني , 2023 09:39 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

منذ اللحظات الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وإعلان حكومة بنيامين نتنياهو حالة الحرب، في إبان عمليّة "طوفان الأقصى"، شهد اقتصاد الكيان تأثيرات سلبية واضحة، تفاوتت بمعدلاتها بين مختلف القطاعات، إلا أنّها بمجموعها باتت تشكّل خطراً حقيقيّاً على اقتصاد "الدولة" العبريّة/ والذي أظهر هشاشة غير مسبوقة.

أداء سيئ وانكماش 

وفي هذا السياق، وصفت وكالة "بلومبرغ" أداء الأسهم الإسرائيلية بأنّه "الأسوأ في العالم" منذ اندلاع القتال في 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، وذلك بعد أن انخفض المؤشر الرئيس في بورصة "تل أبيب" بنسبة 16% من قيمته الدولاريّة، مع خسارة نحو 25 مليار دولار من قيمته.

كذلك تراجعت العملة الإسرائيلية في بداية التعاملات الأسبوعية إلى أدنى مستوى منذ العام 2012 أمام الدولار، وبلغ سعر صرف الشيكل في مقابل الدولار الأميركي في ظهيرة جلسة الاثنين 4.08 شيكلات، قبل أن يقلص قليلاً من خسائره إلى مستوى 4.06.

وعلى رغم تباطؤ انهيار العملة مقارنة بالأسبوعين الأولين من الحرب، فإنّ هذه الأرقام تُظهر إخفاق خطة المصرف المركزي عبر ضخ ما يصل إلى 45 مليار دولار، والإبقاء على معدل الفائدة عند 4.75%، في محاولة لحماية أسعار الصرف ومنع تدهورها.

ويقول كبير الاقتصاديين في بنك "مزراحي تفاحوت"، رونين مناحيم، لصحيفة "غلوبس" المتخصصة بالاقتصاد الإسرائيلي: "نشرت وكالات متعددة سيناريوهات بشأن آثار الحرب على الاقتصاد في الأيام الأخيرة، وقدرت معظمها أن الأرجح هو حرب محدودة لا تتجاوز 3 أشهر... وهذا سيسمح بتباطؤ التراجع".

إلا أنّ بنك "جي بي مورغان تشيس" الأميركي رجّح أن ينكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 11% على أساس سنوي في الربع الأخير من العام الجاري. ويُعَد هذا بين أكثر التقديرات تشاؤماً من محللي "وول ستريت" حتى الآن.

اضطراب صناعي

تعرّضت الشركات الإسرائيلية، منذ بدء الحرب، لهزات كبيرة ستترك آثارها في اقتصاد الكيان لفترات طويلة، وفقاً لـ"بلومبرغ"، التي أشارت إلى أنّ كثيرين باتوا يقارنون الوضع الحالي بعمليات الإغلاق خلال جائحة كورونا.

وبحسب رئيس اتحاد الشركات الصغيرة روي كوهين، فإنّ "صناعات بأكملها وفروعها لا تستطيع العمل"، وأصحاب العمل، في معظمهم، "منحوا موظفيهم إجازة غير مدفوعة الأجر"، وهو ما أثر في مئات الآلاف من العمال.

وحشد العدو نحو 350 ألف جندي احتياطي مع إعلانه أنّه يعتزم القيام بهجوم برّي على غزة، الأمر الذي أدى إلى استنزاف ما يقرب من 8% من قوّة العمل وانهيار مفاجئ في النشاط الاقتصادي، فضلاً عن تكلفة الاستدعاء التي تقدّر بنحو 2.5 مليار دولار شهرياً، وفقاً لبنك "مزراحي تفحوت".

وبدا الاضطراب في قطاع التصنيع شديداً، إلى درجة أنه بعد أسبوعين من اندلاع الحرب كانت 12% فقط من المصانع تعمل بكامل طاقتها.

خسائر هائلة في التكنولوجيا

وامتدت الخسائر إلى شركات التكنولوجيا، التي تم استدعاء نحو 15% من القوى العاملة فيها للخدمة الاحتياطية.

ويقول الرئيس التنفيذي لشركة "غفارام" للصناعات يفتاح ديكل إنّ أقل من ربع موظفيه، البالغ عددهم 65، يأتون إلى العمل، ويشير إلى أنّ الطلب على منتوجاته بدأ يتراجع.

ومن بين 500 شركة تعمل في مجال التكنولوجيا الفائقة، أفاد ما يقرب من النصف بإلغاء اتفاقات استثمارية أو تأخيرها، وقال أكثر من 70% منهم إنّه تم تأجيل مشاريع كبيرة أو إلغاؤها.

وبلغت الخسائر الملموسة حتى الآن توقف 60% من الشركات عن العمل، وأكثر من ملياري دولار خسارة مباشرة، بالإضافة إلى عقود خارجية مهددة تبلغ قيمتها 25 مليار دولار.

جمود في البناء والعقارات

وتعرّض قطاع البناء لضربة قويّة كذلك، إذ إنّه يعتمد بصورة كبيرة على 80 ألف فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية المحتلّة، التي تمّ إغلاقها بالكامل خوفاً من تطوّر الاحتجاجات وعمليات الطعن وإطلاق النار، التي تُربك الكيان.

لذا، من الطبيعي أن تجد عدة شركات نفسها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها، الأمر الذي ينعكس قلقاً أيضاً على البنوك، التي يمثّل البناء والتشييد ما يقرب من نصف قروضها التجارية.

كذلك، فإنّ جمود بيع العقارات، التي تساهم بنسبة 6% من عائدات الضرائب، سيؤدي إلى تقليص دخل حكومة العدو، ويمكن أن يؤدي وقف البناء إلى ارتفاع كبير في الأسعار.

انهيار الإنفاق

وبالإضافة إلى إجبار أكثر من 120 ألف مستوطن حتى الآن على النزوح من الجنوب والشمال في اتجاه مناطق وسط الكيان، انهار إنفاق الأسر، وهو ما أحدث صدمة كبيرة لقطاع المستهلكين، الذي يمثّل نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي.

وانخفض الاستهلاك الخاص بنحو الثلث في الأيام التي تلت اندلاع الحرب، وفقاً لغرفة مقاصة نظام المدفوعات (شفا). وفي بعض القطاعات، مثل الترفيه والتسلية، انخفض الانفاق إلى نحو 70%.

أمّا الانخفاض في مشتريات بطاقات الائتمان فكان أكثر خطورة مما شهدته "الدولة" العبريّة في ذروة وباء كورونا عام 2020، وفقاً لـ"بنك لئومي".

شلل كامل

بالإضافة إلى ما سبق، لقد ضرب الشلل الوزارات والمؤسسات الحكومية كافةً، فتوقفت عن تقديم خدماتها المدنية بصورة كلية، كما تمّ تعليق المدارس والتحوّل بعدها إلى التعلم عن بعد في بعض المناطق، وتأجيل افتتاح السنة الدراسية في الجامعات.

وكشف صندوق التعويضات في الكيان الموقت أنّ إجمالي الخسائر التي لحقت بالممتلكات، خلال الأسبوع الأوّل للحرب، بلغ نحو 373 مليون دولار، الأمر الذي يضاهي خسائر العدو المعترف بها خلال الحرب التي شنّها على لبنان عام 2006.

وقبل أيام، رجح مسؤول كبير في وزارة المالية الإسرائيلية أن تُضطر "الدولة" العبرية إلى إنفاق مبالغ كبرى لتمويل الحرب ضد المقاومة الفلسطينية أكبر مما قدّرها المركزي الإسرائيلي، مؤكّداً أنّ التكلفة تقترب إلى 50 مليار دولار.

وحتى في الوقت الذي تدّعي "إسرائيل" أنّها تتعلّم كيفيّة التكيّف مع هذا الوضع المستجد، فإنّ الضرر الذي أصابها من جراء الحرب يشير إلى أنّ الأزمة ستترك من دون شك ندوباً طويلة الأمد في جميع قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي، قد لا يكون الشفاء منها سهلاً أبداً.

 

زياد ناصر الدين ـ الميادين

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل