طاف الأقصى، على حُلم صهيون ووعد بلفور... ـ أمين أبوراشد

الثلاثاء 31 تشرين الأول , 2023 08:25 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

عربي وإسرائيلي، جمعتهما لبضعة أيام غرفة واحدة في مستشفى بلندن عام 1982، وخلال الدردشة بينهما، قال الإسرائيلي للعربي: أنتم سوف تقضون على دولة إسرائيل في العام 1988، لأن الكثيرين منا قرؤوا في كتبنا أن دولتنا لن تدوم سوى أربعين عاماً.

ثم التقى الرجلان صدفة في بداية التسعينات بأحد المقاهي اللندنية، فبادر العربي بالقول: ما زالت دولتكم على ما يرام، ولقد أخطأت كتبكم في التنبؤات، فأجاب الإسرائيلي حرفياً: "كُتُبنا لا يُمكن أن تخطئ، لكن ربما هناك خطبٌ إلهي أجَّل زوال دولتنا".

وضمن هكذا منطق، علينا أن نفهم الثقافة السياسية لليهودية الصهيونية، التي تحكمها الكُتب المزعومة وتُدير دولتها العميقة اجتهادات الحاخامات.

كما قرأ هذا اليهودي مخاوفاً على مصير كيانه، قرأ أسلافه أن فلسطين هي أرض الميعاد، وولِدت الحركة الصهيونية المعاصرة نسبة لكلمة صهيون بالعبرية التي تعني الحصن، الذي يُطلق على إحدى التلَّتين اللتين قامت عليهما أورشليم التي عُرِفت بالقدس لاحقاً، لا بل باتت كامل مدينة القدس في القراءة اليهودية "جبل صهيون" مع ما استتبعها من تفسيرات لهيكل سليمان، وبداية الصراع العربي اليهودي على حرم المسجد الأقصى، وتبريرات العدوان على حرمته لعقودٍ من الزمن الى أن حصل في النهاية "طوفان الأقصى".

تبقى هناك جزئية هامة، أن قراءة تاريخ الأسلاف لدى اليهود، هي التي حددت فلسطين أرضاً للميعاد كبديلٍ عن الأرجنتين في أميركا اللاتينية وزامبيا في إفريقيا الجنوبية، بمعنى أن تيودور هرتزل 1860-1904 وهو كاتب وناشط سياسي يهودي نمساوي/ مجري الذي يُعتبر أب ومؤسس الصهيونية الحديثة، دعا عبر كتاباته اليهود للهجرة إلى فلسطين، وتأسيس دولتهم فيها من منطلق ما اعتبره حقاً لهم وفق الكتب الدينية التي ينهلون منها، الى أن كان وعد بلفور المشؤوم.

نفس الكتب قرأها الرئيس الأميركي جو بايدن الذي يُفاخر بصهيونيته، وهو نفسه كان نائباً للرئيس عندما اعترفت وزيرة الخارجية يومذاك هيلاري كلينتون، بأن أميركا صنعت داعش، وذلك في كتابها "خيارات صعبة"، وكل هذه الفوضى التي أحدثها ما يسمى "الربيع العربي" كان صناعة أميركية، لكن أن تصل الأمور بالرئيس بايدن، أن يدعم اليهود بخطاب طائفي مقيت، فأقل ردة فعل من الدول الإسلامية أن تنتفض، سواء من خلال مواقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أو من تركيا عبر خطاب عنيف للرئيس رجب طيب أردوغان، في دفاعه عن أطفال ونساء وعجائز غزة، وسط عجز عربي مُزمن، لدول عربية بمقدورها أن تحكم الدول الكبرى لو أرادت، ليس بالضرورة بوقف التطبيع وطرد سفراء الكيان الصهيوني، بل عبر التلويح بوقف تصدير النفط أو بمقاطعة السلع الأميركية والأوروبية، فيما هي ممنوعة وسط هذه المجزرة، من إرسال حبة دواء أو كسرة خبز أو نقطة وقود الى غزة عبر معبر رفح!

ووصلت الأمور بأميركا وبعض الغرب، الى تشبيه حركة حماس بتنظيم داعش، لامتصاص النقمة الشعبية من الشوارع الرافضة للعدوان على قطاع غزة المحاصر من العرب أكثر من الصهاينة، لكن الحقيقة، أن حركة حماس لا تقرأ بكتب ابن تيمية ولا محمد بن عبد الوهاب، بل هي تقرأ تاريخاً من القهر بحق الشعب الفلسطيني، على ورقٍ من أجساد الشهداء وبحبرٍ من دماء الأطفال ودموع الثكالى.

وبصرف النظر عن نتائج العدوان على قطاع غزة وتغلغل الصهاينة داخله، فإن رفض الشعب الفلسطيني مغادرة غزة الى سيناء هو تأكيد على حقوقهم بأرضهم سواء في غزة أو في صحراء النقب، لكن الجديد في هذه الحرب، هو هذه الداعشية اليهودية التي سوف تستدرج بعض التنظيمات الإسلامية الى داعشية مقابلة، ما سوف تكون نهايته قيام دولتين بينهما حواجز من الكراهية وروح الثأر، في مسلسل لا ينتهي كما كل فيلم أميركي طويل، بانتظار استفاقة العرب من كوما الذلّ يوماً ما.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل