دموع التماسيح وهلع عبيد التطبيع ـ عدنان الساحلي

الجمعة 27 تشرين الأول , 2023 11:43 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

أثارت عملية حركة حماس البطولية، ضد المستعمرات "الإسرائيلية" ومواقع جيش الإحتلال، التي تطوق قطاع غزة، هلع جماعات أميركا في لبنان والمنطقة، فهؤلاء ربطوا مصيرهم بالسياسات والمصالح الأميركية؛ و"إسرائيل" من أبرز تلك المصالح.

وخرج علينا من يعتبر تلك العملية الشجاعة وغير المسبوقة، بأنها في توقيت غير مناسب، لأنها عطلت عمليات التطبيع الخيانية التي كانت الولايات المتحدة الأميركية ترعاها، بين كيان العدو وبعض الدول العربية، التي تعودت أن تنفذ الرغبات الأميركية بكل خسًة وجبن. ولم ينفع مع هؤلاء كشف مخطط تهجير أهالي غزة إلى سيناء المصرية، المقرر إستكماله لاحقاً بتهجير أهالي الضفة الغربية المحتلة إلى الأردن. فهو من جهة محطة في مخططات التوسع الإحتلالي الصهيوني البعيد المدى؛ ومن جهة ثانية، هو لزوم إفراغ غزة من أهلها ومقاومتها، بما يسمح بشق قناة "بن غوريون" من ايلات المحتلة إلى البحر المتوسط، لتكون بديلاً عن قناة السويس المصرية، من ضمن مخطط الطريق الهندي التجاري، الذي وضعته الولايات المتحدة لآتباعها؛ والذي يبدأ من الهند وصولا إلى بعض دول الخليج العربية، إنتهاء بالكيان "الإسرائيلي"؛ وصولاً إلى أوروبا، عبر البحر المتوسط، كبديل مضارب عن خط الحرير الصيني، الذي ينظم التجارة العالمية، إبتداء من موانىء الصين وصولآ إلى مرفأ بيروت، ثم إلى الدول الأوروبية، عبر البحر المتوسط. والذي يتضمن عرضاً صينياً باعادة بناء مرفأ بيروت، على طريقة الb.o.t))، بما يعفي لبنان من أي كلفة مالية، هذا إذا إمتلك حكام لبنان الجرأة على تخطي الموانع الأميركية.

وذرف آخرون دموع التماسيح، على ما سوف يصيبنا في لبنان، جراء إمتداد نيران العدوان الصهيوني نحو أرضنا، فدعوا إلى الحياد وإلى تجنب الدخول في هذه المعمعة، لأنهم يريدون العيش بسلام، متناسين أطماع العدو القديمة والجديدة، فالكيان الصهيوني أقيم على أرض فلسطين العربية تحت شعار (حدودك يا "إسرائيل" من الفرات إلى النيل). وهو إرتكب مجازر عديدة بحق اللبنانيين، خصوصاً سكان القرى الحدودية، منذ أن وجد هذا الكيان العدواني. وليست مجازر حولا وعيترون وتدمير الطائرات في مطار بيروت؛ ومجازر صبرا وشاتيلا وقانا وعدوان 2006، إلا نماذج عن هذا الإجرام الصهيوني.

وتجاهلت تلك الأصوات ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، من أعمال قتل وتنكيل وسجن، يومياً، على أيدي قوات الإحتلال "الإسرائيلي". وكذلك إقتحام المستوطنين اليهود المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي وغيرهم من الأماكن الدينية المقدسة، يومياً؛ ومحاولة تكريس وجودهم فيها؛ وتصاعد التنكيل بالمحتجزين الفلسطينيين في السجون "الإسرائيلية".

والواقع أن عملية حماس جاءت في وقت مناسب جداً، فهي جاءت إستباقاً لذبح "البقرات الحمر"، التي إستقدمها الحاخامات الصهاينة، في خطوة لذبحها وتقديمها قرباناُ، قبل الشروع بهدم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم مكانه. كما جاءت في عز الإنشغال الأميركي والغربي بإشعال الحرب ضد روسيا، في أوكرانيا. واستبقت عمليات تطبيع عربية خيانية، مع العدو الصهيوني. وحققت إنجازاً عسكرياً، أعادت فيه قضية فلسطين وحقوق شعبها إلى واجهة الأحداث. لكن أتباع أميركا في لبنان والمنطقة؛ وهم بهذا المعنى أصدقاء للعدو "الإسرائيلي" ولو أخفوا ذلك، لهم راي مختلف، فها هو مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق، السفير الأميركي الأسبق في لبنان ديفيد هيل، يكشف اقنعتهم ويردد حرفياً ما يقولوه في دعواتهم للحياد، فهو ومن على فضائية لبنانية معروفة بتبعيتها للسياسة الأميركية وإعتبارها "إسرائيل" جارة وليست عدواً، دعاهم "لحماية بلدهم من هذا الصراع، لأن دخول هذه الحرب لن يساعد أحداً". وقال: "أتمنّى على لبنان أن يبقى بعيداً عن حرب لا دخل له فيها". لا بل بلغت فيه الوقاحة، انه حمل إيران وحزب الله مسؤولية هجوم حماس، لاغياً من حسابه وجود شعب فلسطيني يقاتل دفاعا عن أرضه ووطنه؛ ولإستعادة ما سلب منه منذ العام 1947.

والواقع، أن كثيراً من القوى السياسية الحاكمة في لبنان، تدور بشكل أو بآخر في الفلك الأميركي، أو تخشى غضبه عليها. ولذلك تلتزم بتوجيهاته في مسايرة العدو "الإسرائيلي"؛ والمشاغبة على المقاومة وإعلان رفضها لوجودها ودورها وسلاحها. وتتصرف وكأن لبنان حديقة خلفية للأميركيين، بل تعتبره مستعمرة يديرونها حسب مشيئة وزارة الخارجية الأميركية. لكن الأوان قد حان ليكون للبنان موقف، ينسجم مع مصالحه ومع حق اللبنانيين في العيش بكرامة، بعيداً عن الضغوطات الأميركية والتهديدات "الإسرائيلية"؛ ويتفاعل مع إتجاه معظم شعوب العالم، لإيجاد نظام عالمي يتخطى أحادية الشرطي الأميركي وتسلطه على ثروات الشعوب ومقدراتها.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل