العداء للمقاومة وظيفة متوارثة ـ عدنان الساحلي

الجمعة 20 تشرين الأول , 2023 10:34 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

شكل مشروع الغزو الإستيطاني الصهيوني لفلسطين، خطراً على لبنان منذ أيامه الأولى. ومثلما إرتكبت العصابات الصهيونية مجازر بحق الفلسطينيين، نفذت مثلها بحق اللبنانيين في قرى الجنوب الحدودية، من عيترون إلى قانا وبينهما. كما حمل ذلك المشروع من بداياته، مطامع توسعية تجاه الأراضي اللبنانية. ورغم ذلك كان للمشروع الإستعماري الصهيوني "أصدقاء" وأعوان، في لبنان وباقي البلدان العربية، فهؤلاء مثل المشروع الصهيوني، صنيعة المستعمر الأجنبي وأعوانه.

ومن يضطلع على المواقف الرسمية اللبنانية في ذلك الوقت؛ وكذلك مواقف بعض القوى السياسية، سيجد أن المنطق ذاته والحجج ذاتها، التي تواطأت مع الحركة الصهيونية ووكالتها اليهودية، عند إغتصاب فلسطين، هي نفسها تتجسد حالياً بصوت وصورة من يرفض سلاح المقاومة في لبنان ويطالب بنزعه. فمثل تلك الأصوات لا تعنيها فلسطين ولا الخطر الصهيوني؛ ولا تتأثر بالمجازر التي نفذها العدو سابقاً؛ ويكررها في غزة هذه الأيام، بل تنظر للامور من زاوية مصلحتها وارتباطاتها، في السياسة والمال والمناصب.

ولا يتسع المجال لعرض ما لم تتسع كتب لشرحه، لكن يكفي التذكير بأن أوراق تلك المرحلة، تشير إلى أن رئيس الجمهورية بشارة الخوري، كان على علاقة بالصهاينة والوكالة اليهودية، وهو الذي طالبهم بطرد سكان الجنوب إلى العراق، حتى لا يشكلوا حاجزا يمنع التعاون بين لبنان والكيان الصهيوني. وأن بعض أبرز العائلات السياسية اللبنانية الثرية، باعت أراضيها وأملاكها في فلسطين للغزاة الصهاينة. وكل الوثائق والدلائل تؤكد أن مؤسسي الكيان اللبناني، نسقوا جهودهم ومساعيهم مع الحركة الصهيونية ورعاتها الغربيين، فلولا الخيانة ما وجدت "إسرائيل".

ومن يضطلع على وثائق تلك المرحلة، أو على صحفها وإعلامها المكتوب، سيصدم عندما يعرف أن أي لبناني أو فلسطيني، كان يحاول عبور الحدود إلى فلسطين أو منها، حاملاً سلاحا إستعمله في الدفاع عنها، أو يريد إيصاله للمقاومين فيها، كانت القوى الرسمية تعتقله وتنزع منه ذلك السلاح وتسجنه. وهكذا بقي الموقف الرسمي اللبناني وكذلك مواقف بعض القوى السياسية، معادياً لكل عمل مقاوم ضد "إسرائيل"، باستثناء مسرحية إرسال كتيبتين من الجيش إلى المالكية، في عراضة لم تحرر أرضاً ولم تمنع العدو من إحتلال ما يشاء من أراض. فهل هناك من يعجب للأصوات التي تعادي المقاومة هذه الأيام وتطالب بنزع سلاحها، فتلك الأصوات من الأساس وبالوراثة، لا تعتبر الكيان المغتصب لفلسطين عدواً.

ولا يقتصر الأمر على نماذج لبنانية، بل من المعروف أن مؤسس مملكة شرق الأردن، عبدالله، كان يقبض أموالاً من الوكالة اليهودية، لقاء خدماته، في تحضير الأجواء واخلاء فلسطين لهم. هكذا حدث مع جيش الإنقاذ المشكل من متطوعين عرب. قيل لهم "أخرجوا من تعسكركم في صفد، لتعودوا سوية مع الجيوش العربية" فخرجوا ولم يسمح لهم بالعودة. وكان الملك عبدالله يرسل جيشه ويطلب من سكان القرى الفلسطينية اخلاءها، بحجة عدم تضررهم من المعارك التي كان يعدهم بها؛ وفي اليوم التالي يسحب جيشه، بعد أن ينجز إخلاء القرية ويسلمها للعصابات الصهيونية. ولذلك قام أحد الفلسطينيين بإطلاق النار عليه وقتله في القدس، بعدما شاعت خيانته. فإنشاء مملكة الأردن كان مقدمة لإعطاء فلسطين لليهود. كما كان تقسيم بلاد الشام وإقامة الكيان اللبناني، شرطاً لنجاح المشروع الصهيوني في إغتصاب فلسطين. وعلى نسق الجد عبدالله، كان الحفيد الملك حسين، يتلقى راتباً رسميا من وكالة المخابرات الأميركية. وله رقم وإسم كودي فيها. إلى أن جاء الرئيس الأميركي جيمي كارتر والغى له ذلك الراتب، معتبراً أن من المعيب أن يكون لملك راتباً من مخابرات أميركا.

كما يتداول الناس تلك الرسالة التي بعثها الملك فيصل آل سعود، إلى الرئيس الأميركي ليندون جونسون، يطالبه فيها بضرب مصر وجمال عبد الناصر، لأن قوته واستمراره يشكلان خطراً على أتباع أميركا. ويجزم متابعوا تلك المرحلة، أن الملك فيصل تولى تمويل عدوان الخامس من حزيران 1967.

ومثلما فعل جده عام 1948، إنسحب جيش الملك حسين من الضفة الغربية من دون قتال يذكر عام 1967. وهو الذي قالت رئيسة وزراء "إسرائيل" السابقة غولدا مائير، أنه ركب الطائرة وقصد فلسطين المحتلة، ليحذرها عن تحضير مصر وسورية لحرب عام 1973، التي حولها أنور السادات من حرب تحرير، إلى حرب تحريك، بعد إتفاقه مع وزير الخارجية الأميركي هنري كيسينجر، طاعناً من الخلف شريكته في تلك الحرب سورية.

ومن عايش مرحلة وجود الثورة الفلسطينية في لبنان، يعجب كيف أن المنطق ذاته يتكرر على ألسنة معارضي مواجهة العدوان "الإسرائيلي" على لبنان، الرافضين للمقاومة وسلاحها. ولأن حجتهم في ذلك الوقت كانت بأن الفلسطيني "غريب"، هي ساقطة تجاه المقاومة في لبنان، باعتبار أن "حزب الله" تنظيم لبناني من قيادته حتى عناصر الكشافة فيه، حرر أرضاً لبنانية ويدافع عن لبنان، لذلك إرتأوا بكل عهر، إعتبار "حزب الله" تنظيماً إيرانياً، لأنه يتلقى الدعم من إيران الثورة الإسلامية. في حين أن تلك القوى المعادية للمقاومة، تتلقى دعماً معروفاً وعلنياً مباشرة وعبر "جمعيات مدنية وإنسانية"، من الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب ومن دول النفط العربية. وفي قضية واحدة، هي شيطنة المقاومة في لبنان، خلال فترة محددة، إعترف السفير الأميركي السابق في لبنان ديفيد ساترفيلد، بأنه دفع خمسماية مليون دولار لتلك القوى. ولذلك شاهدنا رعب تلك القوى وارتباكها، عندما نجحت قوى المقاومة الفلسطينية في غزة، بتوجيه ضربة قوية لجيش العدو ومستوطنيه، فالقوى التي وظفها الغرب وأميركا خادمة لمصالحه، ربطت مصيرها بمصير الكيان الصهيوني. ولذلك هي تعادي أي عمل يشكل خطراً على ذلك الكيان.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل