أقلام الثبات
يعيش اللبنانيون ومعهم العالم على وقع التكهنات باندلاع حرب بين لبنان واسرائيل، نتيجة الاشتباكات اليومية التي تحصل بين حزب الله والفصائل الفلسطينية مع الجيش الاسرائيلي على الحدود مع لبنان، والتي ما زالت ضمن نطاق قواعد الاشتباك المعروفة والسائدة والتي تعتمد الاشتباك المضبوط والمتماثل.
وفي هذا الاطار، يعتمد حزب الله حالياً مبدأ الغموض حول نواياه، الذي يفيده من نواحٍ عدّة، أبرزها:
1- إبقاء اسرائيل في حالة استنفار دائم على الحدود مع لبنان، ما يربك صانع القرار في اسرائيل فهو غير متأكد من نوايا حزب الله.
2- يتيح هذا الغموض أوراق قوة إضافية لإيران في مفاوضاتها الدولية الحالية، مع ابقاء سيف الحرب مسلطاً كورقة قوة بيدها.
3- لا يريد حزب الله ان تكون المعركة بالتوقيت الاسرائيلي، بل يريدها بتوقيته هو. بسبب الضعف والوهن، ولربما يريد الاسرائيلي جرّ الولايات المتحدة لتقاتل الى جانبه، لذا فهو يعطّل عليه هذه الفرصة، ويرسل في الوقت رسائل الى الأميركيين بأنه مستعد وجاهز للمعركة حتى لو دخل الاميركيون في الحرب.
4- يراهن حزب الله على أن عامل الوقت يلعب لصالح غزة، فصور المجازر التي ترتكبها اسرائيل، والتأخير في الحرب البرية وعدم قدرة الاميركيين على تخطي الكارثة الانسانية في غزة، قد تقلب المعادلة ويتراجع التأييد لإسرائيل.
علماً أن الصور والافلام من غزة بدأت تظهر تراجعاً في المواقف الغربية المؤيدة لحرب اسرائيلية شاملة على غزة، بالإضافة الى الموقف العربي الرسمي والشعبي المتعاطف مع الفلسطينيين، والذي تجلى في فشل جولة وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن الى المنطقة، والمظاهرات التي يشهدها الداخل الاسرائيلي والتي تزداد يوماً بعد يوم وتحمّل نتنياهو وحكومته المسؤولية عما حصل.
وعملياً، بدأ المخطط الاسرائيلي بتصفية القضية الفلسطينية يتكشف يوماً بعد يوم، وهو يقوم على إنهاء المقاومة في غزة، وتهجير أهل القطاع الى مصر.
وفي مفارقة لافتة، يطرح الاسرائيليون ويدعمهم الأميركيون، أن الحرب التي تشنّها اسرائيل على قطاع غزة، الهدف منها إنهاء حماس والمقاومة الفلسطينية، وتهجير الفلسطينيين الى مصر، تماماً كما حصل مع لبنان في حرب تموز عام 2006، حين اندفع الاسرائيليون والأميركيون الى وضع "القضاء على حزب الله، وأنهائه، وتهجير شيعة لبنان الى العراق" من ضمن أهداف تلك الحرب.
والمفارقة الأخرى، أن الاطمئنان الذي عاشه الإسرائيلي بأن حربه على لبنان ستكون سهلة وستحقق له أهدافه، وخاصة إنهاء حزب الله، حوّلت الحزب من قوة محلية الى قوة إقليمية، وعانت إسرائيل في تلك الحرب من مشاكل لوجستية وعسكرية وداخلية وسياسية، ما زالت تعاني من تداعياتها لغاية اليوم.
أما الاختلافات بين الأمس واليوم، أي بين حالة لبنان 2006، وحالة غزة 2023، أن المقاومة راكمت الخبرات العسكرية والميدانية، وأعدّت العدة لهذه الحرب مع اسرائيل لفترة طويلة، وامتلكت الأسلحة النوعية والصواريخ الدقيقة والمسيرات وتقنيات التشويش والتكنولوجيا المتطورة. أما الأمر الثاني، فهو الدعم العربي الرسمي والشعبي للقضية الفلسطينية اليوم، والبيانات الرسمية الصادرة من الدول الخليجية، ومنها السعودية على سبيل المثال التي تحدثت عن المغامرين عام 2006، بينما أكد ولي العهد السعودي حالياً على ضرورة إعطاء الفلسطينيين حقوقهم وضرورة رفع الحصار عن غزة.
في المحصلة، إن إنهاء حماس والمقاومة في غزة ليست أمراً يمكن تحقيقه بسهولة، والدخول البري في غزة لن يكون نزهة للجيش الاسرائيلي حتى لو تلقى دعماً أميركياً. إن اعتى وأقوى جيوش العالم لا تستطيع أن تنتصر في حرب شوارع، فكيف بقطاع غزة المليء بالأنفاق والذي خرج منه الاسرائيلي في السابق بسبب الكلفة المرتفعة.
وعليه، لا أعتقد أن الدول العربية ستقبل بشطب القضية الفلسطينية، ولن يسمح الايراني وحلفائه بالوصول الى إمكانية من هذا النوع، فإذا حقق الاسرائيلي انتصارات ميدانية على الفلسطينيين، ستندلع حرب كبرى في المنطقة.