حريق الحمدانية وفيلم كلنا فدائيون ـ عدنان الساحلي

الجمعة 06 تشرين الأول , 2023 09:49 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

 فتحت كارثة الحريق، الذي التهم يوم 26 أيلول الماضي قاعة زفاف    في منطقة الحمدانية، التابعة لمحافظة نينوى العراقية، الباب مجدداً على جدال متشعب، تختلط فيه المؤامرة مع عبث أيادي "الموساد الإسرائيلي"، أو أدوات التخريب الأميركية، مع التقصير الرسمي والشعور المحلي بالإستهداف، في تكرار شبيه جداً بما حصل في لبنان عام 1968، في الحريق الذي قضى على استديو كان يصور فيه فيلم مؤيد للمقاومة الفلسطينية، في بداياتها، إسمه "كلنا فدائيون".

 في ذلك الوقت، وخلال تصوير المشهد الأخير من الفيلم ليلة السبت – الأحد/ الخامس من تشرين الأول- أكتوبر 1968، في استديو “البورغاتوار” بمنطقة الحازمية ببيروت. كان المشهد يمثل تفجيراً يقوم به فدائي فلسطيني، انتقاماً لرفاقه الذين قتلتهم قوات الاحتلال. وكان من المفترض أن المكان الذي يتم تفجيره هو بار في تل أبيب، يدعى "بار استير". وعندما أمر المخرج غاري غاربتيان بتفجير المفرقعات المزيفة وبدء التصوير، كانت المفاجأة القاتلة وهي أن الانفجار الذي وقع كان حقيقياً.

وتبين لاحقاً أن أحداً ما إستبدل المتفجرات المزيفة بأخرى حقيقية، أدت لتدمير موقع التصوير واستشهاد عشرين شخصاً من بينهم المنتج أدمون نحاس، مخرج العمل غاري غاربيتيان، الممثل الشاب سامي عطار، الممثلة الشابة منى سليم، المصور سركيس غوغونيان وصاحب الاستديو جورج غصن، الذين قضوا إحتراقاً.

وقيل في ما بعد، أن التحقيقات توصلت إلى احتمال تورط بعض الإيطاليين، الذي كانوا مساهمين في إنتاج الفيلم؛ والذين أشارت التحقيقات إلى أنهم كانوا ينوون بيع نسخة منه إلى "إسرائيل". وروى بعض الناجين من الحريق الذي سببه الإنفجار، أن انفجاراً آخر كان قد وقع سابقاً خلال تصوير الفيلم، لكن الممثلين نجوا منه بأعجوبة. لكن التحقيقات لم تكشف حقيقة ما حدث في استديو "البورغاتوار" لأسباب غير معروفة. وطوى النسيان ملف الحادث، مثل كثير من الحوادث الأمنية التي شهدها لبنان. لكن وسائل الإعلام اللبنانية نقلت في ذلك الوقت، عن بعض المطلعين وعن ناجين من محرقة الإنفجار "أن الحادث الذي تعرض له غاري غاربتيان مفتعل بالتأكيد". و"ان المتفجرات كانت حقيقية والهدف منها قتل كل فريق عمل الفيلم، الذي يتناول القضية الفلسطينية ضد العدو الغاشم. وان الموساد الصهيوني كان وراء الحادث".

أما حادثة الحمدانية، فقد تدافع عشرات الضيوف، المذعورين ليلا، لمغادرة قاعة هيثم الملكية للأفراح، في المنطقة ذات الأغلبية المسيحية في محافظة نينوى، بعد اشتعال النيران في سقف القاعة، بسبب الألعاب النارية، إلى مقتل 113 شخصاً بينهم 41 ضحية لم يتم التعرف عليها؛ وإلى إصابة العشرات بحروق شديدة. كما أدت إلى انهيار أجزاء من القاعة، نتيجة "استخدام مواد بناء سريعة الاشتعال ومنخفضة التكلفة تنهار خلال دقائق عند اندلاع حريق". حسب أقوال بعض المختصين.

 لكن المأساة أن الزعماء الدينيين للأقلية المسيحية المتبقية في شمال العراق؛ يعتبرون أن طائفتهم مستهدفة وأن الحادث من فعل فاعل. وطالب هؤلاء القادة الدينيين، بإجراء تحقيق دولي في الحريق. إذ اعتبر بعضهم أن المأساة لم تكن حادثة بل أمرا "مدبرا"، من دون أن يقدموا أي دليل أو تفاصيل. ونقلت وسائل إعلام عراقية تصريحاً للكاردينال الكلداني الكاثوليكي لويس رافائيل ساكو، من روما، قال فيه: إن الحريق "نفذه شخص باع ضميره وأمته من أجل أجندة محددة". كما طالب بنديكتوس يونان حنو، رئيس أساقفة الموصل للسريان الكاثوليك؛ وأحد القادة الدينيين للأقلية المسيحية العراقية، بإجراء تحقيق تحت "إشراف محققين دوليين"، مؤكدا رفض المسيحيين العراقيين قبول نتائج التحقيق العراقي. كما انتقد القس السرياني الكاثوليكي الأب، بطرس شيتو "الفساد المستشري في البلاد وسيطرة الميليشيات المسلحة على الحكومة، كأحد العوامل التي أدت إلى اندلاع الحريق". ومن دون أن يقدم أي دليل، قال القس شيتو، الذي خسر أفراداً من عائلته في الحريق، إن الحريق كان "متعمدا". وقال: "نرفض فكرة أن يكون الحريق ناجما عن حادث. نحن واثقون من أنه كان متعمدا ولذلك نطالب بإجراء تحقيق دولي". وكان لافتاً أن فضائية "الحرة" الأميركية هي التي ركزت على هذا الجانب من التصريحات.

وفي المقابل، نقل موقع إعلامي عراقي عن رئيس كتلة بابليون النيابية، أسوان الكلداني، قوله إن "تصريح القس لويس ساكو بكون فاجعة الحمدانية مفتعلة غير صحيح".

واستندت التحقيقات العراقية إلى واقع إستعمال المشاركين في الحفل، بشكل مفرط للألعاب النارية. وإلى تأكيد مهندسين مختصين، بأن قاعة الزفاف مصنعة من مادة الأليكوبوند؛ وهي مادة رخيصة تستخدم في البناء وألوانها جميلة وسهلة التركيب. وعادة ما يلجأ إليها المالك أو المستشمر لزيادة أرباحه، لاسيما أن تكلفة شرائها رخيصة. وإن هناك أسبابا عدة عززت من اشتعال النيران، بيد أن "السبب الأساسي هو استخدام الألعاب النارية، لأنه عند استخدامها داخل قاعة كبيرة الحجم كهذه، يزداد الأمر تعقيدا لاسيما وأن مواد البناء غير مقاومة الحريق". ولفت البعض إلى إن "هناك أيضا قصوراً وسوء تصرف من إدارة الحفل، لاستخدام الألعاب النارية في هذا المكان". وأشار أحد أصحاب الحفل، إلى أن صاحب القاعة قال لهم أن الألعاب ستكون كهربائية، لكن تبين أنها نارية. وهنا التشابه بين أدات هذه الجريمة ومتفجرات الفيلم اللبناني.   

وبحسب نتائج التحقيق التي أعلنها وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري، سمح مالك القاعة وثلاثة موظفين آخرين، لتسعمائة من المدعوين بدخول المكان، الذي لا يتسع سوى لأربعمئة كحد أقصى. وجاء في نتائج التحقيق أن "الحادث عرضي وغير متعمد، وهناك قصور".

والحال، بين تقصير وإهمال وسوء نوايا، تدخل أيادي "الموساد" في لبنان لتقتل من يؤيد الفدائيين الفلسطينيين. فهل هناك دور "للموساد"، أو لأدوات الإحتلال الأميركي، الذي ما يزال متواجداً في العراق، يداً في ما حدث، خصوصاً أن الأميركي و"الإسرائيلي" لا يخفيان سعيهما الدؤوب لتفتيت العراق وضرب مكوناته بعضها بالبعض الآخر؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل